مصدقين بذلك في نذره فقال « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » (١) تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل.
______________________________________________________
ذكرهم « مصدقين بذلك » الأمر الذي بعث به الرسول كائنين « في » جملة « نذره » فإن النذير يشمل النبي والإمام كما قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ » أي طائفة وأهل عصر وزمان « إِلاَّ خَلا » أي مضي « فِيها نَذِيرٌ » ويحتمل أن يكون « بذلك » متعلقا بقوله : استخلصهم ، لا صلة للتصديق ، ويكون إشارة إلى الأمر ، أي بسبب الأمر الذي بعث له الأنبياء وهو تكميل الخلق وهدايتهم.
ويحتمل أن يكون على الأول النذر مصدرا بمعنى الإنذار كما قيل في قوله تعالى : « فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » (٢) أي إنذاري ، فكلمة « في » للتعليل ، والظرف متعلق باستخلصهم.
ويحتمل أيضا أن يكون الضمير في قوله عليهالسلام : استخلصهم ، راجعا إلى الأنبياء أيضا ، فالمراد بالنذر الأوصياء ، أي استخلصهم أولا لأمر تبليغ الشرائع ، ثم استخلصهم مصدقين لله بذلك ، أي بالأمر الذي أمروا بتبليغه في نذره بعدهم ، وهم الأوصياء ، أو المراد أنه استخلصهم أولا لعبادته وقربه ، ثم لما أكملهم استخصهم لإنذاره ورسالته وقيل : هذا تعليل لما سبق حيث أمرهم بالتماس البيوت ومعرفتها ومعرفة أهلها ، ثم قال : وذلك غير متعسر عليكم ، فإنه تعالى أخبركم أنهم رجالا « لا تُلْهِيهِمْ » « إلخ » وليس هذا وصفا للرسل ، فإنهم إنما يوصفون بالرسالة وتبليغ الأمر والإنذار ، فإن الله قد استخلصهم واستخصهم لأمره وتبليغه والرسالة فيه ، وبعد تصديقهم بذلك استخصهم في نذره كما قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » أي مضى وأرسل ، فالتعبير اللائق بهم الرسول والنذير ، فقوله تعالى : « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ » تعبير عن غيرهم وهم ولاة الأمر « انتهى » ولا يخفى ما فيه من التعسف.
« تاه » أي تحير وضل عن إمام زمانه « من جهل » الكتاب والسنة « واهتدى » إلى الإمام « من أبصر » بعين قلبه طريق النجاة « وعقل » وفهم ما نزل على الرسل ، ثم بين عليهالسلام أن الإبصار الذي يوجب الهداية ما هو بأبصار القلوب لا بأبصار العيون بقوله
__________________
(١) سورة الفاطر : ٢٢.
(٢) سورة القمر : ١٦.