وهذه الخطبة من مشهورات خطبه عليهالسلام حتى لقد ابتذلها العامة وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها وفهم ما فيها فلو اجتمع ألسنة الجن والإنس ليس فيها لسان نبي على أن يبينوا التوحيد بمثل ما أتى به بأبي وأمي ما قدروا عليه ولو لا إبانته عليهالسلام ما علم الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد ألا ترون إلى قوله لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان فنفى بقوله لا من شيء كان معنى الحدوث وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال نفيا لقول من قال إن الأشياء كلها محدثة بعضها من بعض وإبطالا لقول الثنوية الذين زعموا أنه لا يحدث شيئا إلا من أصل ولا يدبر إلا باحتذاء مثال فدفع عليهالسلام بقوله لا من شيء خلق ما كان جميع حجج الثنوية وشبههم لأن أكثر ما يعتمد الثنوية في حدوث العالم أن يقولوا لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شيء أو من لا شيء فقولهم من شيء خطأ وقولهم من لا شيء مناقضة وإحالة لأن من توجب شيئا ولا شيء تنفيه فأخرج أمير المؤمنين عليهالسلام هذه اللفظة على أبلغ الألفاظ وأصحها فقال لا من شيء خلق ما كان فنفى من إذ كانت توجب شيئا ونفى الشيء إذ كان كل شيء مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق كما قالت الثنوية إنه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبير إلا باحتذاء مثال.
ثم قوله عليهالسلام ليست له صفة تنال ولا حد تضرب له فيه الأمثال كل دون صفاته تحبير اللغات فنفى عليهالسلام أقاويل المشبهة حين شبهوه بالسبيكة والبلورة وغير ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء وقولهم متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية ولم ترجع إلى إثبات هيئة لم تعقل شيئا فلم تثبت صانعا ففسر أمير المؤمنين عليهالسلام أنه واحد بلا كيفية وأن القلوب تعرفه بلا تصوير ولا إحاطة
______________________________________________________
الأمد أي الغاية والنهاية ، أو امتداد الزمان « وبعد صروف الأمور » أي تغيرها وفناؤها وهذا ناظر إلى قوله : لا يزال ، كما أن ما قبله ناظر إلى قوله لم يزل.
قوله : لقد ابتذلها ، أي اشتهرت بينهم ، فكأنها صارت مبتذلة ، ولو لا إبانته ،