وجعلهم معدن الامامة والخلافة ، وأوجب ولايتهم ، وشرف منزلتهم ، فأمر رسوله ب مسألة إمته مودتهم إذ يقول : «قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» (١) وما وصفهم به من إذهاب الرجس عنهم ، وتطهيره إياهم في قوله «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» (٢).
ثم إن المأمون بررسول الله صلىاللهعليهوآله في عترته ، ووصل أرحام أهل بيته ، فرد الفتهم ، وجمع فرقتهم ، ورأب صدعهم ، ورتق فتقهم ، وأذهب الله به الضغائن و الاجن بينهم ، وأسكن التناصر والتواصل والمحبة والمودة قلوبهم ، فأصبحت بيمنه وحفظه وبركته وبره وصلته أيديهم واحدة ، وكلمتهم جامعة ، وأهواؤهم متفقة ورعى الحقوق لاهلها ، ووضع المواريث مواضعها ، وكافأ إحسان المحسنين ، و حفظ بلاء المبلين ، وقرب وباعد على الدين ، ثم اختص بالتفضيل والتقديم والتشريف من قدمته مساعيه ، فكان ذلك ذا الرئاستين الفضل بن سهل إذ رآه له مؤازرا ، و بحقه قائما ، وبحجته ناطقا ، ولنقبائه نقيبا ولخيوله قائدا ، ولحروبه مدبرا ، و لرعيته سائسا ، وإليه داعيا ، ولمن أجاب إلى طاعته مكافئا ، ولمن عند (٣) عنها مبائنا وبنصرته منفردا ، ولمرض القلوب والنيات مداويا.
لم ينهه عن ذلك قلة مال ، ولا عوز رجال ، ولم يمل به طمع ، ولم يلفته عن نيته وبصيرته وجل ، بل عندما يهوله المهولون ، ويرعد ويبرق به المبرقون المرعدون وكثرة المخالفين والمعاندين من المجاهدين والمخاتلين ، أثبت ما يكون عزيمة وأجرا جنانا ، وأنفذ مكيدة ، وأحسن تدبيرا ، وأقوى تثبتا في حق المأمون والدعاء إليه ، جتى قصم أنياب الضلالة ، وفل حدهم ، وقلم أظفارهم ، وحصد شوكتهم وصرعهم مصارع الملحدين في دينه ، الناكثين لعهده ، الوانين في أمره ، المستخفين بحقه ، الآمنين لما حذر من سطوته وبأسه ، مع آثار ذي الرئاستين في صفوف الامم
____________________
(١) الشورى : ٢٣ ،
(٢) الاحزاب : ٣٣.
(٣) في المصدر : ولمن عدل.