وعلى رأي المفيد رحمهالله أن الدولة المذكورة من أصلها فاسدة ، وعلى غير قاعدة مرضية ، فاهتمامه عليهالسلام بالوقيعة فيهما حتى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه فيه ما فيه ، ثم إن نصيحته للمأمون وإشارته عليه بما ينفعه في دينه لاتوجب أن يكون سببا لقتله ، وموجبا لركوب هذا الامرالعظيم منه ، وقد كان يكفي في هذا الامر أن يمنعه عن الدخول عليه أو يكفه عن وعظه ، ثم إنا لانعرف أن الابر إذا غرست في العنب صارالعنب مسموما ولايشهده القياس الطبي والله تعالى أعلم بحال الجميع وإليه المصير ، وعندالله يجتمع الخصوم انتهى كلامه (١).
ولايخفى وهنه إذا لوقيعة في ابني سهل لم يكن للدنيا حتى يمعنه عنه الاشتغال بعبادة الله تعالى بل كان ذلك لما وجب عليه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن ، وكون خلافة المأمون فاسدة أيضا لايمنع منه كما لا يمنع بطلان خلافة الغاصبين إرشاد أميرالمؤمنين إياهم لمصالح المسلمين في الغزوات وغيرها.
ثم إنه ظاهر أن نصيحة الاشقياء ووعظهم بمحضرالناس لا سيما المدعين للفضل والخلافة ، مما يثير حقدهم وحسدهم وغيظهم ، مع أنه لعنه الله كان أول أمره مبنيا على الحيلة والخديعة لا طفاء نائرة الفتن الحادثة من خروج الاشراف والسادة من العلويين في الاطرف فلما استقر أمره أظهر كيده ، فالحق ما اختاره الصدوق والمفيد وغيرهما من أجلة أصحابنا أنه عليهالسلام مضى شهيدا بسم المأمون اللعين ، عليه اللعنة ، وعلى سائر الغاصبين والظالمين أبد الآبدين.
____________________
(١) كشف الغمة ج ٣ ص ١١٢.