ابن أكثم ، عن أبيه قال : أقدم المأمون دعبل بن علي الخزاعي رحمهالله (١) وآمنه على نفسه فلما مثل بين يديه وكنت جالسا بين يدي المأمون ، فقال : أنشدني قصيدتك الكبيرة فجحدها دعبل وأنكر معرفتها فقال له : لك الامان عليها كما أمنتك على نفسك فأنشده :
تأسفت جارتي لما رأت زوري |
|
وعدت الحلم ذنبا غير مغتفر |
ترجو الصبى بعد ماشابت ذوائبها |
|
وقد جرت طلقا في حلبة الكبر |
أجارتي إن شيب الرأس يعلمني |
|
ذكرالمعاد وإرضائي عن القدر |
لو كنت أركن للدنيا وزيتتها |
|
إذا بكيت على الماضين من نفر |
أخنى الزمان على أهلي فصدعهم |
|
تصدع الشعب لاقى صدمة الحجر |
بعض أقام وبعض قد أصات بهم |
|
داعي المنية والباقي على الاثر |
أما المقيم فأخشى أن يفارقني |
|
ولست أوبة من ولى بمنتظر |
أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي |
|
كحالم قص رؤيا بعد مدكر |
لولا تشاغل عيني بالاولى سلفوا |
|
من أهل بيت رسول الله لم أقر |
____________________
(١) روى أبوالفرج في الاغانى بالسناده عن عبدالله بن طاهر في حديث : قال عبدالله ابن طاهر : وكتب المأمون إلى أبى أن يكاتبه ـ يعنى دعبلا ـ بالامان ويحمل اليه مالا وان شاء أن يقيم عنده أو يصيرالى حيث شاء فكتب اليه أبى بذلك وكان واثقا به ، فصاراليه فحمله وخلع عليه وأجازه وأعطاه المال وأشار عليه بقصد المأمون ففعل ، فلما دخل وسلم عليه ، تبسم في وجهه ، ثم قال : أنشدنى :
مدارس آيات خلت من تلاوة |
|
ومنزل وحى مقفرالعرصات |
فجزع فقال له : لك الامان فلاتخف ، وقدروتها ولكنى أحب سماعها من فيك فأنشده اياها الى آخرها ، والمأمون يبكى حتى اخضلت لحيته بدمعه. فوالله ما شعرنا الا وقد شاعت له أبيات يهجو بها المأمون بعد احسانه اليه ، وانسه به ، حتى كان أول داخل عليه وآخر خارج من عنده.