ومن أليم قوله في هذا الشأن : « أفق حزين أطبقت عليه ظلمة اليأس وهو منبع النور والأمل يقتات من بقايا الصور الخيالية المرتسمة على مرآة الذهن فهو مصباحه ، ويستاف من زفرات قلبه المحترقة عبيره ونفحاته ، فهو حقله ومجمره. ويستمد من وعي الروح المنطلق قوته ونشاطه فهو حياته يحدق في النجم فلا يرى غير الضئيل من شعاعه ويرمق الزهرة فلا يدرك سوى اللون الواضح من جمالها يرنو للوجه الحسن فلا يحس بغيرالروعة البارزة من قسماته. هذا هو بصري وهذه صور من الألم أرسمها على صفحات هذا اللوح الكئيب :
ربيعَ العمر والآمـال تـجلـى |
|
وأنت الخصب قد أجدبت محـلا |
ويا أفـق الحياة ظلمت نـجما |
|
أشـاب اليأس مـن عينيه طفلا |
أهـذا الجـو للغربان مـلـك |
|
فحيـث تحل منـه لهـا أحـلا |
وأقفاص البـلابل وهـي تشدو |
|
لها قـد أصبحت سجناً وغـلا |
أحـدق بالنجوم دجـى فتخفى |
|
علـى طرف بداج الاُفق ضلا |
كـأن الليل مدّ عليـه سجفـاً |
|
وألقـاه عـلى عينـي ظـلا |
فـلا نجـم يلوح ولا شعـاع |
|
لعيـن بـافتقـاد النـور ثكلـى |
أرى الوجـه الجميـل ولا أراه |
|
وأسلوه وكيف الـحسن يُسلـى |
وأمتـع بالشذى الفياح شـوقاً |
|
الى النفحـات حين أرود حقـلا |
وألـمس ورده بيـديّ لمــا |
|
حُرمت جماله لوناً وشكلا » (١) |
ومن هنا أصبح لون الحزن والألم مميزاً في شعر الفرطوسي يتجلى في معظم نظمه ويشيع في أغلب قصائده. ولا غرو في ذلك فمن يمّر بمثل ما مّر به الفرطوسي ، ويتجرع الغصص التي تجرعها لحقيق بأن تظهر عليه آثار الحزن ومظاهر الألم.
__________________
١ ـ المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، ١٣١.