تصاويره الشعرية كأنها ماثلة أمام عينيك ، يصف الزهرة فينشقك نفحتها ويلمسك رقتها ، والغصن فيميل بقده الأهيف عليك كأنك تهصره بيدك وتعطفه بأناملك. والبلبل فيجس أوتار قلبك بأغاريده الراقصة ويطلق نفسك في أفق من حياة الحرية. والجدول فيفرغ في سمعك عربدة أمواجه وخرير سواقيه. والعاصفة فيطلع عليك عملاقاً جباراً من مردة الجان يتطاير الشرر من مقلتيه ويجلجل الرعد في شفتيه ، والسحاب فيغشاك بظلمات من الاهوال تشق حجبها البروق وتصطرع بها الصواعق والرعود. والقمر فيملأ عينك باشراق هالته وجمال طلعته وجلال روعته. وهكذا يرسم لك مختلف صور الطبيعة على ألواحه ويعرضها عليك وأنت في زاوية مكتبك أو مجلس سمرك ما لو قدر لك أن تراها بعينك لما كنت تقدر على ادراك بعض ما قرأته من التصوير في صفحات ديوانه » (١).
فللطبيعة دور هام في تصوير الواقع المعاش والحقائق الملموسة. وقد عرف الشاعر هذه الخصوصية الهامة فأحسن الاستفادة منها في تصوير الاحداث والوقائع التي عاصرها والتي لم يعاصرها. وكثيراً ما نجد مفردات الطبيعة تشغل حيّزاً واسعاً من شعر الشاعر وخاصة الوصفي منه حيث الرسم والتصوير قائم على قدم وساق. فنلحظ مثلاً عندما يصور لنا وقائع الحرب العالمية الثانية يستخدم مفردات مثل « التلول » ، و « الجبال » ، و « الهضب » ، و « الصحراء » ، ومفردات مماثلة اُخرى :
أسيـولٌ موّارةٌ أم دمـاءُ |
|
سفكتها من مثلها الأبرياءُ |
وقـلاع رصينةٌ أم تلولٌ |
|
كونتها من حولها الأشلاءُ |
غمرتها مدامع اليتم شجواً |
|
بنجيع ذابت بـه الأحشاءُ |
__________________
١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٥.