ومرة اُخرى يكون التكرار بحرف الجر احترازاً من توالي الأفعال ، وتنبيهاً لفطنة المتلقي في استيعاب الفعل الرئيسي للجملة. من ذلك قول الشاعر في قصيدة بعنوان « معاهد العلم » :
ياصـاحبي أعيرا مهجتي جلدا |
|
ففي جناني من وقع الردى خور |
إلى أن يقول :
خِفا إلى مهبط الألطاف والتهما |
|
وحياً بليغاً بـه قد فاهت العبر |
واستنطقا صفحة الوادي فصفحته |
|
سِفر بـه خطت الأنباء والسير |
عن ألف جيل وجيل في قرارتـه |
|
ثووا ومـا طاف فينا منهم خبر |
وعن مصارع أبطال جبـابـرة |
|
كانت بهم جمرات العزم تستعر |
وعـن مفارق أملاك غطارفـة |
|
كانت بهم تفخر التيجان والسرر |
وعـن شمائل أمجاد بها طويـت |
|
من العلى صحف منشورة غرر |
وعـن مواهب أفـذاذ وأنـدية |
|
للفضل كانت بهم تزهو وتزدهر |
وعن عواطف آبـاء مرفـرفة |
|
على غصون بكف الموت تهتصر |
وعن مواسيم أعياد بها احتفلت |
|
دنيا الأماني وماجت حولها صور |
وعن ثنايا ثغور ضـاع لؤلؤها |
|
وكـان يحرسه من صونها الخفر |
وعن أكاليل شعر حـولها نثرت |
|
مدامع من جفون اليتم تُعتصر (١) |
ومهما يكن من أمر فأنّ التكرار اُسلوب بياني استخدمه الشاعر في كثير من قصائده. وقد تبيّن من خلال البحث الأغراض والأهداف التي اتضحت بواسطة التكرار ، وهي في طبيعة الحال أغراض تهدف إلى تأكيد المضامين وتعزيز المحتوى والمفاهيم.
__________________
١ ـ المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ٢٩٤.