وفي مثل هذا المزيج من العادات والتقاليد والثقافات المتباينة كان لابد أن تظهر صراعات ونزاعات بين المحلات المختلفة في المدينة الواحدة. ولعل العامل المحفز في تشديد هذه الصراعات هو روح العصبية القبلية التي ورثتها النجف منذ القدم يوم كانت تقع على حافة الصحراء وقد أصبحت موئلاً لتموين القبائل البدوية التي تتجول في الصحراء بالقرب منها. وكثيراً ما كانت المشاحنات والمنازعات تقع بين أهل النجف وتلك القبائل. وهذا يجعل أهل النجف يشعرون بضرورة وجود عصبية قوية بينهم لتساعدهم على مدافعة القبائل البدوية عند الحاجة (١).
وفي هذا الصدد يقول علي الخاقاني : « ومعظم أهالي النجف يعيشون الى اليوم بالعقلية القبلية وبطبيعة أهل البادية. والنجف لم تتأثر بالحضارة الحديثة ولم تلتفت الى مقتضيات العصر كما يراد ، وان تجرد الفرد من المسؤولية أدى به الى فقدان مجتمع صالح يتعاون معه للقضاء على الرذيلة ومقاومة فاعلها ... ، لذا ترى التكتل الاجتماعي قائماً على قدم وساق ، يزيده وينميه ضعف الوازع الديني والخلقي والنظامي ، ولذا تراه ينضوي تحت راية من يدعي القوة » (٢).
والنجف بصحرائها القاحلة وبداوتها الجافية لم تكن بلدة زراعية بطبيعة الحال ، فجفاف التربة وقلة الأمطار أعدم الزراعة فيها الاّ القليل مما كان يزرع من الخضروات وبعض المحاصيل الزراعية التي لم تكن تسد حاجة المدينة من المواد الغذائية. فلذا عمّ الفقر والجوع بين الناس الى حد كان لا يجد الشخص رغيف الخبز الذي يقتات به ، وقد يقضي اليوم أو اليومين على الطوى دون أن يأكل ما يحفظ رمقه ويقيم أوده. وللشعراء في هذا الشأن خطب جليل. فقد أكثروا من شعر
__________________
١ ـ علي الوردي : دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، ص ١٧٩.
٢ ـ شعراء الغري ، ج ١٢ ، ص ٤٥٥.