إن شعر التاريخ من الصناعات الأدبية التي أولع بها المتأخرون. وشاع استعمالها كثيراً عند شعراء النجف لارتباطها الوثيق بالمناسبات المختلفة التي يراد لتاريخها أن يذكر ويخلد.
ولا يخفى مالهذا الفن الشعري من تكلف شديد وصنعة ظاهرة ، فهو « يتطلب مهارتين ، مهارة اعداد الجمل التي يكون حاصل جمعها موافقاً للتاريخ المطلوب ، وهي مهارة حسابية لا شأن لفن الشعر فيها ، ومهارة انتقاء تلك الجمل بحيث تحمل
__________________
١ ـ ويسمى أيضاً التاريخ الشعري ، والتاريخ الحرفي. والغرض منه ضبط تاريخ واقعة بأحرف تتألف منها كلمة أو جملة يكون مجموع حروفها بحساب الجمل يساوي التاريخ الذي جرت فيه تلك الواقعة ، يأتي بها الشاعر بعد لفظ « تأريخ » أو ما يشتق منه. ولا يعرف بالتعيين أول من استعمله في الشعر. وقد قال جرجي زيدان في كتابه ( تاريخ آداب اللغة العربية ، ج ٣ ، ص ١٢٤ ) : « انّ هذا النوع من التاريخ شائع اليوم لكنه من محدثات العصور الأخيرة. لم نقف على شيء منه أقدم من أوائل القرن العاشر للهجرة على اثر فتح العثمانيين مصر. ويظهر أنه أقدم من ذلك عند العثمانيين.
ومن أقدم ما وقفنا عليه من ذلك تاريخ فتح القسطنطينية سنة ٨٥٨ هـ. فقد أرخه العثمانيون بقولهم : « بلدة طيبة » ، وأرخ رجل آخر بناء سبيل سنة ٩٦٦ هـ بقوله : « رحم الله من دنا وشرب ». واستخدموا ذلك نظماً قبل هذا التاريخ كقول بعضهم يؤرخ وفاة « ابن المؤيد » سنة ٩٢٢ هـ بقوله :
قـل للذي يبتغي
تاريـخ رحلته |
|
( نجل المؤيد
مرحومٌ ومبروك ) |
وأرخ شاعر آخر وفاة « محمد باشا » المقتول والي مصر سنة ٩٧٥ هـ بقوله :
قتلــه بــالنــار
نــورٌ |
|
وهو في التاريخ (
ظلمه ) ». |
وللشيخ جعفر النقدي رسالة خاصة بحث فيها هذا الفن وأسماه « ضبط التاريخ بالأحرف » ، وفيها « عالج الموضوع علاجاً متيناً واستقصى تأريخه حسب إمكان بحثه واستظهر أن يكون ظهوره أقدم مما ذكره جرجي زيدان ، واستشهد بتأريخ عمله بعض الادباء للأمير تيمورلنك المغولي وقد اثابه عليه الف دينار ذهباً وذلك عام ٨٠٥ هـ وفيه تورية لطيفة ، والتأريخ هو ( الم ، غلبت الروم ، في أدنى الأرض ) « فأدنى » الأرض « ض » والغرض اسمها ضاد وهو ( ٨٠٥ ). واستشهد بتأريخ آخر أقدم منه وهو بالفارسية عند انقراض الدولة العباسية من العراق وقتل المستعصم العباسي ومادته ( خون ) ومعناه ( دم ) واعتقد ان هذا التاريخ من وضع الخواجة نصير الدين الطوسي ». ( شعراء الغري ، ج ٦ ، ص ٣٧٣ ، ٣٧٤ ).