قسّم الغربيّون الشعر منذ أقدم عصوره أربعة أقسام : شعر قصصي وتعليمي وغنائي وتمثيلي. وتدخل الملحمة بقصائدها القصصية الطويلة في الضرب الأول كما تبيّن من تعريفها. « والشاعر في هذا الضرب القصصي لا يتحدث عن عواطفه وأهوائه ، فهو شاعر موضوعي ينكر نفسه ، ويتحدث في قصته عن بطل معتمداً على خياله ، ومستمدّاً في أثناء ذلك من تاريخ قومه ، وكل ماله أنّه يخلق القصة ويرتب لها الأشخاص والأشياء ، ويجمع لها المعلومات ، ويكوّن من ذلك قصيدته ، وعادة ينظمها من وزن واحد لا يخرج عنه (١) ».
ويمكن حصر الشعر الملحمي تأريخياً في ثلاث مراحل : « مرحلة التعبير عن أزمة وجودية بالنسبة الى ما وراء الوجود ، حيث المزيج من روحانية ومادية ، من عقائد وخرافات ، ومن حقائق وأساطير. ومرحلة تعبير عن أزمة اجتماعية في تنازع وجودي ، ثم مرحلة تعبير عن أزمة قومية (٢) ».
ومن هنا تميّز نوعان من الملاحم : الملاحم الطبيعية والملاحم الأصطناعية. فالأولى وهي التي تظهر في المراحل البدائية من حياة الأمم وتاريخ الشعوب ، وتصاغ بصورة تلقائية وعضوية ، ويكون ناظموها ورواتها والذين يتداولونها ، مؤمنين بما تتضمنه من ذكر الخوارق ، وتدخّل الآلهة في حياة البشر ، ايماناً مطلقاً لا تشوبه شائبة من الريبة والشك. والثانية وهي التي يصنعها الشعراء في الأزمنة المتأخرة ، وينظمونها على نهج الملاحم الطبيعية ، ومحاكاة لمضامينها واسلوبها من غير أن يكونوا بالضرورة مؤمنين بما يصفون من حوادث ، وينسجون من خوارق ،
__________________
١ ـ شوقي ضعيف : العصر الجاهلي ، ص ١٨٩.
٢ ـ جورج غريب : الشعر الملحمي ، ص ٧.