متى يتدخل بنفسه في القصيدة. فالحق أنّ الشاعر يجب أنْ لا يتكلم بنفسه ما استطاع الى ذلك سبيلاً ، لانه لو فعل غير هذا لما كان محاكياً (١) ».
ولما كان الشعر الملحمي من الفنون الأدبية العريقة ذات الجذور التاريخية الطويلة ، فقد تداولته أمم وشعوب مختلفة غير اليونان ، أمثال الرومان في ملحمة « الأنياذة » لفرجيليوس ، والهنود في ملاحم « الأوبا نيشاد » و « الفيدا » و « الرمايانا » و « المهابهارتا » ، والفرس في ملحمة « الشاهنامه » للشاعر الكبير الفردوسي ، والترك في « شاهنامه » الشاعر الفردوسي الطويل ، واضافة الى الأمم القديمة فانّ الشعوب الحديثة قد تغنّت بهذا الفن الأدبي وانتجت شعراً ملحمياً على غرار الملاحم القديمة ، منها أُنشودة رولان الفرنسي ، وأشعار ملتون الأنجليزي ، ومنظومات هيلدبراند الألماني ، والكوميديا الالهية لدانتي الايطالي ، وغيرها من الملاحم الحديثة (٢).
وبالرغم من انتشار أدب الملحمة بين مختلف الشعوب والأمم فإننا لانجد لهذا الفن أثراً في الشعر العربي سوى قصائد معدودة ومقطوعات قصيرة ذات نفس ملحمي لا يمكن ضمها الى الملاحم العالمية المعروفة. وقد شغل الباحثون في تعليل هذا الأمر وأوردوا أسباباً عدة. منها : قول من زعم « أنّ العرب نظموا فيه كثيراً وضاع مانظموه ، فلم يبق لعهد التدوين والرواية إلاّ القليل مما ذكرت فيه أخبار الحروب (٣) ؟ » وهو قول ترده الشواهد والدلائل التاريخية. ومنها : « أنّ خيال الجاهليين لم يتسع للملاحم والقصص الطويلة لانحصاره في بادية متشابهة الصور ، محدودة المناظر ، ثم لماديتهم وكثافة روحانيتهم ، ثم لفرديتهم وضعف
__________________
١ ـ يرى أرسطو أن الشعر محاكاة لأحياء وأشياء غير الشاعر نفسه ، فلذا ينبغي على الشاعر أن ينسى نفسه و يدمجها في أشخاصه.
٢ ـ سليمان البستاني : الياذة هوميروس ، ج ١ ، ص ١٦٦.
٣ـ مصطفى صادق الرافعي : تاريخ آداب العرب ، ج ٣ ، ص ١٤٤ ، ١٤٥.