الروح القومية والاجتماعية فيهم ، ثم لقلة خطر الدين في قلوبهم وقصر نظرهم عما بعد الطبيعة ، فلم يلتفتوا الى أبعد من ذاتهم ، ولا الى عالم غير العالم المنظور ، ولا تولدت عندهم الأساطير الخصيبة ، ولم يكن لأصنامهم من الفن والجمال ما يبعث الوحي في النفوس شأن أصنام اليونان والرومان ، فقلّ من ذكر منهم أوثانه واستوحاها في شعره. ولم يساعدهم مجتمعهم على التأمل الطويل وربط الأفكار وفسح آفاق الخيال ، لأضطراب حياتهم برحيل مستمر ، فجاء نفَسهم قصيراً كإقامتهم ، وخيالهم متقطعاً كحياتهم ، صافياً واضحاً كسمائهم ، داني التصور محدود الألوان كطبيعتهم. وكانت ثقافتهم الأدبية فطرية خالصة يتغذى بعضهم من بعض ، ولا يقبلون لقاح الآداب الأجنبية الراقية لجهالتهم واعتزال باديتهم وتمردها ، وكذلك كانت علومهم ساذجة لا تفتح نوافذ النور للنظر فيالنفس وما بعد عالم الهيولى (١) ».
وثمة تعليلات اخرى فسّرت انعدام الفن الملحمي في الشعر العربي ، منها : « أنّ القصة في الشعر الجاهلي ضعيفة الفن لأقتصارها على الخبر البسيط والسرد السريع ... ولا جرم ان الايجاز الذي درج عليه الجاهلي كان يحول بينه وبين الاسهاب في أخباره ... فلم يتوفر له عمل الملاحم والقصص الطويلة (٢). ومنها « أنّ الوثنية العربية في الجاهلية لم تكن تلك الوثنية المكتملة ، المعقدة والمركبة بل كانت وثنية في أبسط أشكالها وكانت تتعايش مع مذاهب توحيدية ، كاليهودية والنصرانية (٣) …؟ ». ومنها « أنّ التقليد الشعري الأصولي السائد ، والمتمثل بسلطة القصيدة الغنائية ذات القافية الواحدة والوزن الواحد لم يكن يسمح بنظم
__________________
١ ـ بطرس البستاني : أًدباء العرب ، ج ١ ، ص ٤١ ، ٤٢.
٢ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٤٧ ، ٤٨.
٣ ـ اميل بديع وميشال عاصي : المعجم المفصل في الغة والأدب ، ج ٢ ، ص ١١٩٢.