يشاء الى مواجهة المستعمر الجديد الذي راح يقتطع جزءاً فجزءاً من أراضيه ليعلنها مستعمرة له. وقد انبرى علماء الشيعة في النجف لهذا الاحتلال السافر وعاضدوا الأتراك بالرغم من الاضطهاد العنصري والطائفي الذي أعمله العثمانيون بحق الشيعة ، الاّ أنّ علماء الدين رأوا في الغزو البريطاني خطراً اكبر يهدد الاسلام والأمة الاسلامية ، فافتوا بوجوب الدفاع عن بيضة الاسلام والوقوف بجانب الأتراك ضد المحتل الانجليزي (١). فاشتركت جموع غفيرة من مجاهدي النجف مع الجيش العثماني بقيادة علماء الدين ، أمثال السيد محمد سعيد الحبوبي (٢) ؟ الذي قاد جيشاً جرّاراً الى جبهة ( الشعيبة ) بالبصرة ، حيث أبلى بلاءً حسناً في مجابهة المحتل الغاصب.
لكن الأتراك لم يحفظوا هذا الصنيع لأهل النجف ، بل راحوا يطاردون الفارّين من الخدمة العسكرية ، ويوسعون الأهالي ظلماً وتنكيلاً ، بالاضافة إلى أنّهم قرروا مصادرة محتويات « الخزائن » الموجودة في العتبة المقدسة للانفاق على شؤون الحرب ، واجبار الشباب على الخدمة في الجيش. فبدأوا بتفتيش البيوت ليلاً وتعرضوا للنساء بحجة انّ الرجال كانوا يختفون بزي النساء تهرباً من الجندية. فضاق النجفيون ذرعاً بهذه الأعمال الشنيعة ، وهبّوا غاضبين ضد الأتراك ، وقاتلوهم قتالاً عنيفاً حتى استتب لهم الحكم في نهاية الأمر (٣).
وظل الأتراك مطاردين من قبل الناس حتى انحسر ظلهم عن العراق تماماً
__________________
١ ـ جعفر آل محبوبة : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ٣٤١.
٢ ـ محمد سعيد الحبوبي ( ١٢٦٦ ـ ١٣٣٣ هـ ) من علماء النجف المجتهدين ومن فحول الشعراء. له ديوان شعر وكتابات في الفقه والأصول. ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ١ ، ص ٣٨٧ ).
٣ ـ جعفر الدجيلي : موسوعة النجف الأشرف ، ج ٤ ، ص ٢٩٤.