على الرغم من طول الملحمة التي جاوزت الأربعين ألف بيت ، وتعدد مواضيعها وتنوع مضامينها ، فإننا نرى أنّ الشاعر يلتزم فيها بحراً واحداً وهو الخفيف ، وقافية واحدة وهي الهمزة المكسورة. وقد أجاد الشاعر في اختياره هذا. فكما هو معروف فانّ بحر الخفيف ـ كما يتضح من تسميته ـ خفيف يتصف بالهدوء والرزانة ، الرزانة الباعثة على الحركة والتواصل لا على السكون والانقطاع. « وأكثر ما استعمل الخفيف عند القدامى في أغراض قريبة من مواطن الأداء النفسي كالتأمل والحكمة والرثاء ، كما استعمل لإبراز الحوار الداخلي ما بين الشاعر وأعماقه ... » (١).
وأمّا القافية وهي الهمزة المكسورة فانّها من أفضل القوافي التي يمكن استخدامها في القصائد المطولة ذات النفس الملحمي المديد ، لكثرة مفرداتها وتنوع اشتقاقاتها اللغوية. فلذا كان التنوع اللغوي مشهوداً وملحوظاً في تمام أبيات الملحمة. وكما مرّ سابقاً فانّ الشاعر قد استخدم قافية واحدة فقط لم يحد عنها طوال أجزاء الملحمة الثمانية. ولعل ذلك يعود إلى الإحكام الذي توخاه الشاعر في نسيج قصيدته ، والتناسب الحاصل عادة بين الموسيقى الداخلية والخارجية في مثل هذا النوع من القصائد الموحدة القافية.
وهذا دأب شعراء النجف فانّهم ينظرون « إلى وحدة القافية نظرة اعتزاز ، ويعدونها أصلاً من أُصول الإبداع في القصيدة ، ومظهراً من مظاهر اكتمالها الفني ، ولا يحيدون عن وحدة القافية رغبة في التخلص منها ، بل اتباعاً لنماذج من الشعر العربي وفنونه ، كالموشح والمزدوجات » (٢).
__________________
١ ـ علي عباس علوان : تطور الشعر العربي الحديث في العراق ، ص ٢٣٧.
٢ ـ عبدالصاحب الموسوي : حركة الشعر في النجف ، ص ٣٤١.