النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الإسلام ، فظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ، وثبت بك الإسلام والمؤمنون وسبقت سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك تعبا شديدا فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك في السماء وهدت مصيبتك الأنام ، فإِنَّا لِلَّهِ
______________________________________________________
قال الجوهري : الإقلاع عن الأمر الكف عنه يقال : أقلع عما كان عليه وأقلعت عنه الحمى ، ويقال : هم على قلعة أي على رحلة ، وفي القاموس : نهج كمنع وضح وأوضح ، والطريق : سلكه ، وسهل كحسن ، أو مجهول باب التفعيل.
« وأطفئت النيران » أي نيران قتال المشركين والخوارج « واعتدل » أي استقام « بك » أي بسيفك وبيانك « الدين » و « سبقت » أي في الفضائل والكمالات « سبقا بعيدا » لا يمكن لأحد الوصول إليك فيها ، أو سبقت بمضيك إلى الآخرة سبقا بعيدا لا يوصل إليك إلا في القيامة أو الرجعة « وأتعبت من بعدك » أي بمصيبتك أو بأنهم يسعون لأن يصلوا إلى ما وصلت إليه من الكمالات فلا يمكنهم « فجللت عن البكاء » أي أنت أجل من أن تتدارك مصيبتك بالبكاء ، بل قتل الأنفس أيضا قليل في ذلك.
والرزيئة بالهمز وقد تقلب ياءا : المصيبة ، والهد : الهدم الشديد.
« فإِنَّا لِلَّهِ » أي فنصير ونقول هذا الكلام وهي كلمة أثنى الله تعالى على قائلها عند المصائب لدلالتها على الرضا بقضائه والتسليم لأمره ، فمعنى « إِنَّا لِلَّهِ » إقرار له بالعبودية أي نحن عبيد الله وملكه ، فله التصرف فينا بالموت والحياة والمرض والصحة والمالك على الإطلاق أعلم بصلاح مملوكه واعتراض المملوك عليه جرأة وسفاهة « وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار بالبعث والنشور ، وتسلية للنفس بأن الله تعالى عند رجوعنا إليه يثيبنا على ما أصابنا من المكاره والآلام أحسن الثواب كما وعدنا ، وينتقم لنا ممن ظلمنا ، وفيه تسلية من جهة أخرى وهي أنه إذا كان رجوعنا جميعا إلى الله وإلى ثوابه فلا بأس بافتراقنا بالموت ، ولا ضرر على الميت أيضا لأنه انتقل من دار إلى دار أخرى أحسن من الأولى ، ورجع إلى رب كريم هو رب الآخرة والدنيا.