أدى إلى ترجيح أحدهما وترك الآخر بدون مرجح ، وكل ذلك باطل ... إذن لا بد من القول بقدرة واحدة هي قدرة الخالق وإن أفعال العباد مخلوقة له.
ثانياً : لما كانت قدرة الله تعالى مطلقة ، أي أنه قادر على كل شيء ، ويفعل ما يريد وإرادته لا تقهر ولا ترد ، إذن لا مجال للقول بأي قدرة للعبد ، وإذا قلنا أن العبد يعنل بقدرته ، أدى بنا إلى تعطيل قدرة الله ووصفه بالعجز ، وهذا يناقض قدرته وإشاءته في كل آن.
ثالثاً : كون الأفعال الصادرة من العباد مخلوقة لله ، لأنها محتاجة إلى مرجح وهذا المرجح لا بد أن يكون مرجعه إلى الله وإلا لو كان بترجيح من العبد فلا يؤدي إلى النتيجة الفاعلة ، بمعنى أن كل ترجيح ـ لو كان من العبد ـ هو محتاج إلى ترجيح آخر ، والترجيح الثاني مفتقر إلى ترجيح ثالث ، وهكذ يقع التسلسل.
إذن لا بد من القول بأن ، افعال العبد صادرة بترجيح خارجي منوط بالله سبحانه.
هذه بعض استدلالات الأشاعرة وأهل الجبر ومن تابعهم من الفقهاء من أهل السنة والحديث ، إلا أنها استدلالات ضعيفة قابلة للرد ليس هذا محلها ، وقد تصدى لردها المعتزلة وعلماء الكلام على مر التاريخ ، وإن كتبهم زاخرة بالردود والنقوض ، على أنها هي الأخرى قابلة للرد والنقض.
فمن جملة الردود التي تصح في المقام هي :
أولاً : لو كانت أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأن الإنسان مجبور عليها فهذا يعني إبطال الثواب والعقاب وهذا خلاف ما يصرح به القرآن الكريم حيث قال تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )(١) وقوله تعالى : ( وقفوهم إنهم مسؤولون )(٢) وقال تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة )(٣) وقال تعالى : ( ولتسألن عما كنتم تعملون )(٤) وقوله تعالى : (... هل تجزون إلا ما كنتم تعملون )(٥) وقوله تعالى : ( فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ) (٦) وقوله تعالى : ( إن
__________________
(١) سورة الزلزال ، الآية : ٧ ـ ٨.
(٢) سورة الصافات ، الآية : ٢٤.
(٣) سورة المدثر ، الآية : ٣٨.
(٤) سورة النحل ، الآية : ٩٣.
(٥) سورة النمل ، الآية : ٩٠.
(٦) سورة يس ، الآية : ٥٤.