فلو لم يكن سبحانه يفيض علينا من قدرته حرية الإرادة والإمكانات والقوى والحياة في كل آن ، لما كنا قادرين على أي عمل نفعله ، لهذا إن أفعالنا الإرادية ترتبط بنا لكونها صاردى من عندنا وفق مصالح يشخصها العبد. وفي نفس الوقت إن هذه الإرادة هي ذخائر المولى ـ الخالق ـ في العبد.
وبهذا التقرير يتضح أن الأمور لا بد أن تجري بأسبابها ، وأن من جملة الأسباب هو خلق الإنسان وخلق الإرادة فيه ، وإن أفعالنا الاختيارية صاردة من ذلك السبب وهي الإرادة ، وهذه تقع في آخر جزء من سلسلة الأسباب فإزادة الله هي الإرادة ، وهذه تقع في آخر جزء من سلسلة الأسباب فإرادة الله هي منذ الأزل ولا تنافي هذه الارادة مع حرية البشر في اختيارهم لأفعالهم وبهذا الاختيار تحسن المكافئة على فعل الخير ويجزي العاصي بما فعل من سوء ، قوله تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ... ) (١) وقوله تعالى : ( إن هذه تذكرة فمن شاء إنخذ إلى ربه سبيلا ) (٢) وقوله تعالى : ( إن هو إلا ذكر للعاملين لمن شاء منكم أن يستقيم ... ) (٣).
عن الصدوق بإسناده عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليهالسلام بمرو ، فقلت له يا بن رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام قال : إنه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين فما معناه؟ قال عليهالسلام : من زعم أن الله عز وجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهالسلام فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك.
فقلت له يابن رسول الله فما أمر بين أمرين؟
فقال وجود السبيل إلى اتيان ما أمروا به ، وترك ما نهوا عنه. فقلت له : فهل لله عز وجل مشية وإرادة في ذلك؟ فأما الطاعات فإرادة الهل ومشته فيها الأمر بها والرضى لها والمعاونة عليها وإرادته ومشيته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها قلت : فهل لله فيها القضاء؟ قال : نعم ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قصاء ، قلت : ما
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٢٩.
(٢) سورة الإنسان ، الآية : ٢٩.
(٣) سورة التكوير ، الآية : ٢٧ و ٢٨.