أما سبحانه فيعلم الغيب لأنه غير محدود الوجود ، وهو بكل شيء محيط فلا يمتنع شيء عنه فما امتنع علينا فهو غيب لا نعرفه ، ولا يصدق شيء من هذا الامتناع علي الباري ، فلا يكون غيباً بالنسبة إليه ، بل كل شيء قد أحصاء علمه ...
وهذا العلم الذي استأثره الله لنفسه ، قد يظهر بعضه لأنبيائه ورسله ، فالوحي غيب ، وكثيراً ما يخبر الرسول أو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أمور لم تقع أو ستقع في القريب العاجز أو في البعيد الآجل ، فهذا من علم الله الذي استأثره لنفسه وقد أظهر لعبده المختار للنبوة والرسالة وهذا الإظهار نوع كرامة وتأييد بل إنه نوع معجزة للتدليل على صدق الرسول والرسالة ...
قال تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ) (١) ، إذاً سبحانه وتعالى يعلم الغيب بالأصالة وأنه يعلم لذاته ، وغيره ـ النبي وسائر المعصومين ـ يعلمون بالتبعية أي أنهم يعلمون بعض ذلك الغيب بتعليم من الله سبحانه.
وشأن العلم هنا يساوق التوفي ويضارعه ، فإن التوفي ينسب إلى الله تعالى أصالة ، قوله سبحانه : ( الله يتوفى الأنفس ) (٢) وقوله تعالى : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ) (٣) وقوله تعالى : ( والله خلقكم ثم يتوفاكم ... ) (٤) فهذه وغيرها من الآيات صريحة أن التوفي من قبل الله تعالى هو بالأصالة لكن لا ينافي لو نسب التوفي إلى الملائكة إلا أنه على نحو التبعية والتكليف من قبل المولى لكونهم أسباباً متوسطة مسخرة له يعلمون بأمره ولا يحيدون عنه ، قوله تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت ) (٥) وقوله تعالى : ( الذين تتوفاهم الملائكة ) (٦).
وعلى هذا التقرير فإن الأنبياء والرسل والأولياء إذا علموا من الغيب شيئاً فإنما هو على نحو التبعية ، وبتعليم منه تعالى لمن ارتضى من رسول ، والذي يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : ( قل ما كنت بدعاً من الرسل وما
__________________
(١) سورة الجن ، الآية : ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) سورة الزمر ، الآية : ٤٢.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٥٥.
(٤) سورة النحل ، الآية : ٧٠.
(٥) سورة السجدة ، الآية : ١١.
(٦) سورة النحل ، الآية : ٢٨.