يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لما طلب أعداء الحق قلت جعلت فداك مما ذا قال من الرغبة فيها وقال ألا من صبار كريم فإنما
______________________________________________________
الدنيا والزهد فيها « لم يطلب أحد الحق » أي الدين الحق « بباب » أي بسبب ووسيلة أفضل من ترك الدنيا ، فإنه ليس الباعث لاختيار الباطل مع وضوح الحق وظهوره إلا حب الدنيا فإنها غالبا مع أهل الباطل ، ويمكن تعميم الحق في كل حكم ومسألة فإن الأغراض الدنيوية تعمى القلب عن الحق ، أو المراد بالحق الرب تعالى أي قربه ووصاله « وهو » أي الزهد « ضد لما طلب أعداء الحق » وقوله : مما ذا ، طلب لبيان ما طلبه أعداء الحق فبين عليهالسلام بقوله : من الرغبة فيها ، والرغبة وإن كانت عين الطلب لكن جعلها مطلوبهم مبالغة.
ويحتمل أن يكون ما في قوله لما طلب مصدرية فلا يكون هنا للبيان بل للتعليل كما سيأتي ، ويحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى الحق أي الحق ضد لمطلوب أعداء الحق فمن في قوله : مما للتعليل « وما ذا » للاستفهام أي لأي علة صار ضد الحق مطلوبهم ، قال : لرغبتهم في الدنيا ، وقيل : أي مما ذا طلب أعداء الحق مطلوبهم ، والهمزة في ألا للاستفهام ولا للنفي ، ومن زائدة لعموم النفي ، والمعنى ألا يوجد صبار كريم النفس يصبر عن الدنيا وعلى فقرها وشدتها ويزهد فيها؟ وقد يقرأ صبار بكسر الصاد وتخفيف الباء مصدر باب المفاعلة مضافا إلى كريم ، وقرأ بعضهم إلا بالتشديد استثناء من الرغبة فيها ، أي إلا أن تكون الرغبة فيها من صبار كريم يطلبها من طرق الحلال ويصبر عن الحرام وعلى إخراج الحقوق المالية وإعانة الفقراء فإن الرغبة في هذه الدنيا إنما هي للآخرة وأول الوجوه أظهرها.
ثم رغب عليهالسلام في الزهد وسهل تحصيله بقوله : فإنما هي ، أي الدنيا « أيام قلائل » وهي أيام العمر فالصبر على ترك الشهوات وتحمل الملاذ فيها سهل يسير