حب الله فلم يشتغلوا بغيره قال وسمعته يقول إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو.
______________________________________________________
« إن القلب إذا صفا » أي إن القلب أي الروح الإنساني لما كان من عالم الملكوت وإنما أهبط إلى هذا العالم الأدنى وابتلي بالتعلق بالبدن لتحصيل الكمالات وحيازة السعادات كما أن الثوب قد يلوث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل أشد بياضا وأصفى مما كان ، فإذا اختار الشقاوة وتشبث بهذه العلائق الجسمانية والشهوات الظلمانية لحق بالأنعام بل هو أضل سبيلا وإن تمسك بعروة الشريعة الحقة وعمل بالنواميس الإلهية والرياضات البدنية ، حتى انفتح له عين اليقين فنظر إلى الدنيا ولذاتها بتلك العين الصحيحة رآها ضيقة مظلمة فانية موحشة غدارة غرارة ملوثة بأنواع النجاسات المعنوية والصفات الدنية ، استوحش منها وتذكر عالمه الأصلي فرغب إليها وتعلق بها فجانب المتعلقين بهذا العالم وأنس بالمتعلقين بالملأ الأعلى فلحق بهم ، وضاقت به الأرض وصارت همته رفيعة عالية فلم يرض إلا بالصعود إلى سدرة المنتهى وجنة المأوى ، فهم مع كونهم بين الخلق أرواحهم معلقة بالملأ الأعلى ، ويستصعدون بقرب المولى.
أو يقال : لما كانت الأرض أعظم أجزاء الإنسان وكانت قواه الظاهرة والباطنة مائلة إليها بالطبع لكمال النسبة بينهما كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة والبواعث إلى لذاتها ظاهرة فربما اشتغل بها واكتسب الأخلاق والأعمال الفاسدة لتحصيل المقاصد حتى تصير النفس تابعة لها راضية بأثرها مشعوفة بعملها متكدرة بالشهوات منغمسة في اللذات فتحب الاستقرار في الأرض وتركن إليها ، وأما إذا منعت تلك القوي عن مقتضاها وصرفتها عن هواها وروضتها بمقامع الشريعة وأدبتها بآداب الطريقة حتى غلبت عليها وصفت عن كدوراتها وطهرت عن خبائث لذاتها وتحلت بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة والآداب السنية والأطوار الرضية ضاقت