بدنه حتى بدت الأضلاع وغارت العينان فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه وشدة
______________________________________________________
بينه في الفقرة الآتية.
وفي المصباح : الجد بالكسر الاجتهاد وهو مصدر يقال منه : جد يجد من بابي ضرب وقتل والاسم الجد بالكسر « وأتعب بدنه » أي بالعبادات الشرعية لا الأعمال المبتدعة « فأبدل الله له » لأنه تعالى قال : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » (١).
فمن بذل ما أعطاه الله من الأموال الفانية عوضه الله من الأموال الباقية أضعافها ، ومن بذل قوته البدنية في طاعة الله أبد له الله قوة روحانية لا يفنى في الدنيا والآخرة فتبدو منه المعجزات وخوارق العادات والكرامات وما لا يقدر عليه بالقوى الجسمانية ، ومن بذل علمه في الله وعمل به ورثه الله علما لدنيا يزيد في كل ساعة ، ومن بذل عزه الفاني الدنيوي في رضا الله تعالى أعطاه الله عزا حقيقيا لا يتبدل بالذل أبدا ، كما أن الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام لما بذلوا عزهم الدنيوي في سبيل الله أعطاهم الله عزة في الدارين ، لا يشبه عز غيرهم فيلوذ الناس بقبورهم وضرائحهم المقدسة ، والملوك يعفرون وجوههم على أعتابهم ويتبركون بذكرهم ، ومن بذل حياته البدنية في الجهاد في سبيله عوضه حياة أبدية يتصرفون بعد موتهم في عوالم الملك والملكوت ، وقد قال تعالى : « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (٢) ومن بذل نور بصره وسمعه في الطاعة أعطاه الله نورا منه ينظر في ملكوت السماوات والأرض ، وبه يسمع كلام الملائكة المقربين ووحي رب العالمين ، كما ورد : المؤمن ينظر بنور الله ، وورد : بي يسمع وبي يبصر ، وإذا تخلى من إرادته وجعلها تابعة لإرادة الله جعله الله بحيث لا يشاء إلا أن يشاء الله ، وكان الله هو الذي يدبر في بدنه وقلبه وعقله وروحه ، والكلام هنا دقيق لا تفي به العبارة والبيان ، وفي هذا المقام تزل الأقدام.
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٧.
(٢) سورة آل عمران : ١٦٩.