النَّاسَ وَاخْشَوْنِ » (١) وقال تبارك وتعالى : « وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً » (٢) قال وقال
______________________________________________________
والخشية وإن كانا بمعنى واحد في اللغة إلا أن بينهما فرقا بين أرباب القلوب ، وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر ، والعقاب المتوقع بسبب احتمال فعل المنهيات وترك الطاعات ، وهو يحصل لأكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا والمرتبة العليا منه لا تحصل إلا للقليل ، والخشية حالة نفسانية تنشأ عن الشعور بعظمة الرب وهيبته ، وخوف الحجب عنه ، وهذه الحالة لا تحصل إلا لمن اطلع على جلال الكبرياء وذاق لذة القرب ، ولذلك قال سبحانه : « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » والخشية خوف خاص وقد يطلقون عليها الخوف أيضا ، انتهى.
« وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً » التقوى على مراتب : أولها : التبري عن الشرك وما يوجب الخلود في النار ، وثانيها : التجنب عما يؤثم والاتقاء عن العذاب مطلقا ، وثالثها : التنزه عما يشغل القلب عن الحق ، وبناء الكل على الخوف من العقوبة ، والبعد عن الحق.
ولعل المراد هنا إحدى الأخيرتين ، أي ومن يتق الله خوفا منه يجعل له مخرجا من شدائد الدنيا والآخرة ، كما روي عن ابن عباس أو من ضيق المعاش كما يشعر به قوله تعالى : « وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » قيل : وكان السر في الأول أن شدائد الدارين من الحرص على الدنيا واقتراف الذنوب والغفلة عن الحق والمتقي منزه عن جميع ذلك ، وفي الثاني أن فيضه تعالى وجوده عام لا بخل فيه ، وإنما المانع من قبول فيضه هو بعد العبد عنه ، وعدم استعداده له بالذنوب ، فإذا اتقى منها قرب منه تعالى ، واستحق قبول فيضه بلا تعب ولا كلفة ، فيجمع بذلك خير الدنيا والآخرة.
__________________
(١) سورة المائدة : ٤٤.
(٢) سورة الطلاق : ٢.