فقال أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو فقال أصلحك الله ضيق منتن وأهله بأسوإ حال قال فإنما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن.
______________________________________________________
من قلبه وانشراح من صدره مخلى بينه وبين ما يريد على ما يسول له الشيطان لا ضيق عليه ولا منع ، فهو يغدو فيها ويروح على حسب مراده وشهوة فؤاده ، فالدنيا كأنها جنة له يتمتع بملاذها ويتمتع بنعيمها كما أنها كالسجن للمؤمن صارفا له عن لذاته مانعا من شهواته.
وفي الحديث أنه قال صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة عليهاالسلام : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة ، وروي أن يهوديا تعرض للحسن بن علي عليهالسلام وهو في شظف من حاله وكسوف من باله (١) والحسن عليهالسلام راكب بغلة فارهة (٢) عليه ثياب حسنة فقال : جدك يقول : إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأنا في السجن وأنت في الجنة؟ فقال عليهالسلام : لو علمت مالك وما يرتب لك من العذاب لعلمت أنك مع هذا الضر هيهنا في الجنة ، ولو نظرت إلى ما أعد لي في الآخرة لعلمت أني معذب في السجن هيهنا ، انتهى.
وأقول : فالكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون المعنى أن المؤمن غالبا في الدنيا بسوء حال وتعب وخوف والكافر غالبا في سعة وأمن ورفاهية فلا ينافي كون المؤمن نادرا بحال حسن ، والكافر نادرا بمشقة ، وثانيهما أن يكون المعنى أن المؤمن في الدنيا كأنه في سجن لأنه بالنظر إلى حاله في الآخرة وما أعد الله له من النعيم كأنه في سجن ، لأنه بالنظر إلى حاله في الآخرة وما أعد الله له من النعيم كأنه في سجن وإن كان بأحسن الأحوال بالنظر إلى أهل الدنيا ، والكافر بعكس ذلك لأن نعيمه منحصر في الدنيا وليس له في الآخرة إلا أشد
__________________
(١) الشظف : الضيق والشدة. ويقال : فلان كاسف البال أي سيىء الحال.
(٢) فره فرها : نشط وبطر.