.................................................................................................
______________________________________________________
في التقلب والتأثر دائما من هذه الآثار ، وأخص الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر ، وأعني بالخواطر ما يعرض فيه من الأفكار والأذكار ، وأعني به إدراكاته علوما إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر ، فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها ، والخواطر هي المحركات للإرادات فإن النية والعزم والإرادة إنما تكون بعد خطور المنوي بالبال لا محالة ، فمبدأ الأفعال الخواطر ، ثم الخاطر يحرك الرغبة ، والرغبة تحرك العزم ويحرك العزم النية ، والنية تحرك الأعضاء.
والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أعني ما ينفع في الآخرة ، فهما خاطران مختلفان ، فافتقر إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما ، والخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر يسمى وسواسا ، ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة وكل حادث لا بد له من سبب ، ومهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الأسباب.
هذا ما عرف من سنة الله عز وجل في ترتيب المسببات على الأسباب ، فمهما استنار حيطان البيت بنور النار وأظلم سقفه وأسود بالدخان ، علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة ، كذلك لأنوار القلب وظلماته سببان مختلفان ، فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا ، واللطف الذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام الملك يسمى توفيقا ، والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواء وخذلانا ، فإن المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامي مختلفة ، والملك عبارة عن خلق خلقه الله شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف ، وقد خلقه الله وسخره لذلك ، والشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك ، وهو الوعد بالشر والأمر بالفحشاء والتخويف عند الهم بالخير بالفقر ، والوسوسة في مقابلة الإلهام ، والشيطان في مقابلة الملك ، والتوفيق في مقابلة الخذلان ، وإليه