.................................................................................................
______________________________________________________
الإشارة بقوله تعالى : « وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (١).
فإن الموجودات كلها متقابلة مزدوجة إلا الله تعالى فإنه لا مقابل له ، بل هو الواحد الحق الخالق للأزواج كلها ، والقلب متجاذب بين الشيطان والملك ، فقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : للقلب لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير ، فمن وجد ذلك فليتعوذ من الشيطان ثم تلا : « الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ » (٢) الآية.
ولتجاذب القلب بين هاتين اللمتين قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ، والله سبحانه منزه عن أن يكون له إصبع مركبة من دم ولحم وعظم ينقسم بالأنامل ، ولكن روح الإصبع سرعة التقليب والقدرة على التحريك والتغيير ، فإنك لا تريد إصبعك لشخصها بل لفعلها في التقليب والترديد ، وكما أنك تتعاطى الأفعال بأصابعك فالله تعالى إنما يفعل ما يفعله باستسخار الملك والشيطان ، وهما مسخران بقدرته في تقليب القلوب كما أن أصابعك مسخرة لك في تقليب الأجسام مثلا ، والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة ولقبول آثار الشياطين صلاحا متساويا ، ليس يترجح أحدهما على الآخر ، وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى والإكباب على الشهوات أو الإعراض عنها ومخالفتها ، فإن اتبع الإنسان مقتضى الشهوة والغضب ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى ، وصار القلب عش الشيطان ومعدنه ، لأن الهوي هو مرعى الشيطان ومرتعه ، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه وتشبه بأخلاق الملائكة صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم ، ولما كان لا يخلو قلب عن شهوة وغضب وحرص وطمع وطول أمل إلى غير
__________________
(١) سورة الذاريات : ٤٩.
(٢) سورة البقرة : ٢٦٨.