.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك من صفات البشرية المتشعبة عن الهوى لا جرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة ، ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما منكم من أحد إلا وله شيطان قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم فلم يأمرني إلا بخير.
وإنما كان هذا لأن الشيطان لا يتصرف إلا بواسطة الشهوة ، فمن أعانه الله على شهوته حتى صار لا ينبسط إلا حيث ينبغي وإلى الحد الذي ينبغي ، فشهوته لا تدعوه إلى الشر ، فالشيطان المتدرع بها لا يأمر إلا بالخير ، ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومتقضيات الهوى وجد الشيطان مجالا فوسوس ، ومهما انصرف القلب إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان وضاق مجالة وأقبل الملك وألهم ، فالتطارد بين جندي الملائكة والشيطان في معركة القلب دائم إلى أن ينفتح القلب لأحدهما فيسكن ويستوطن ، ويكون اجتياز الثاني اختلاسا ، وأكثر القلوب قد فتحها جنود الشيطان وملكوها ، فامتلأت بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة واطراح الآخرة ، ومبدء استيلائها اتباع الهوى ، ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات ، وعمارته بذكر الله إذ هو مطرح أثر الملائكة ، ولذلك قال الله تعالى : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » (١).
وكل من اتبع الهوى فهو عبد الهوى لا عبد الله ، فلذلك تسلط عليه الشيطان وقال تعالى : « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ » (٢) إشارة إلى أن الهوى إلهه ومعبوده فهو عبد الهوى لا عبد الله ، ولا يمحو وسوسة الشيطان عن القلب إلا ذكر شيء سوى ما يوسوس به ، لأنه إذا حضر في القلب ذكر شيء انعدم عنه ما كان فيه من قبل ، ولكن كل شيء سوى ذكر الله وسوى ما يتعلق به ، فيجوز أن يكون أيضا مجالا
__________________
(١) سورة الحجر : ٤٢.
(٢) سورة الجاثية : ٢٣.