.................................................................................................
______________________________________________________
القائل ، انتهى.
قوله : فإن عالم السر يعلم ، أي يكفي لصدق الآية اطلاع الرب تعالى وهو الرقيب على عباده ، وقد قال سبحانه قبل ذلك : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ».
وأقول : قد روي في ثواب الأعمال هذه الرواية أبسط من ذلك فلا بأس بنقله.
روي بسند آخر عن إسحاق قال : كنت بالكوفة فيأتيني إخوان كثيرة وكرهت الشهرة فتخوفت أن أشتهر بديني فأمرت غلامي كلما جاءني رجل منهم يطلبني قال ليس هو هيهنا ، قال : فحججت تلك السنة فلقيت أبا عبد الله عليهالسلام فرأيت منه ثقلا وتغيرا فيما بيني وبينه ، قال : قلت جعلت فداك ما الذي غيرني عندك؟ قال : الذي غيرك للمؤمنين ، قلت : جعلت فداك إنما تخوفت الشهرة وقد علم الله شدة حبي لهم ، فقال : يا إسحاق لا تمل زيارة إخوانك فإن المؤمن إذا لقي أخاه المؤمن فقال له : مرحبا كتب له مرحبا إلى يوم القيامة ، فإذا صافحه أنزل الله فيما بين إبهامهما مائة رحمة تسعة وتسعون لأشدهم لصاحبه حبا ثم أقبل الله عليهما بوجهه فكان على أشدهما حبا لصاحبه أشد إقبالا ، فإذا تعانقا غمرتها الرحمة فإذا لبثا لا يريدان إلا وجهه لا يريدان غرضا من غرض الدنيا قيل لهما : غفر لكما فاستأنفا ، فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضهم لبعض : تنحوا عنهما فإن لهما سرا وقد ستره الله عليهما.
قال إسحاق : قلت له : جعلت فداك لا يكتب علينا لفظنا وقد قال الله تعالى : « ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ »؟ قال : فتنفس ابن رسول الله الصعداء (١) قال : ثم بكى حتى خضبت دموعه لحيته ، وقال : يا إسحاق إن الله تعالى إنما نادى الملائكة أن يغيبوا عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما ، فإذا كانت الملائكة لا تكتب
__________________
(١) الصعداء : التنفّس الطويل من همّ أو تعب.