الدنيا فإن لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعب فأول ما عصي الله به الكبر معصية إبليس حين « أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ » ثم الحرص وهي معصية آدم وحواء عليهماالسلام حين قال الله عز وجل لهما : « فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ » (١) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة
______________________________________________________
الأخلاق والأعمال ، ويدخل في معرفة الرسول معرفة الإمام « فإن لذلك » كأنه تعليل لكون بغض الدنيا بعد المعرفة أفضل ، وفيما مضى « وإن » كما في بعض النسخ هنا وهو أظهر ، وذلك إشارة إلى بغض الدنيا أو إلى الدنيا ، وقيل : المشار إليه العمل ، يعني أن للأعمال الصالحة لشعبا يرجع كلها إلى بغض الدنيا ، وللمعاصي شعبا يرجع كلها إلى حب الدنيا ، ثم اكتفى ببيان أحدهما عن الآخر ، وكان ما ذكرنا أظهر فالمراد بالشعب الأولى أنواع الأخلاق والأعمال الفاضلة ، وبالثانية أنواع المعاصي ، والأولى مندرجة تحت بغض الدنيا ، والثانية تحت حبها ، فبغضها أفضل الأعمال لاشتماله على محاسن كثيرة كالتواضع المقابل للكبر ، والقنوع المقابل للحرص وهكذا وبحكم المقابلة حب الدنيا أقبح الأعمال لاشتماله على رذائل كثيرة ، وهي الكبر إلى آخر ما ذكر.
« فذلك أن » وفي بعض النسخ فلذلك أي لدخول الحرص على ذريتهما ، وإنما قال أكثر لأن طلب المحتاج إليه وهو القدر الضروري من الطعام واللباس والمسكن ونحوها ليس بمذموم بل ممدوح ، لأنه لا يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم والعمل « حيث حسد أخاه » قيل : حسده في قبول قربانه ، وقيل : في حب النساء ، وقيل : في حب الدنيا لئلا يكون له نسل يعيرون أولاده في رد قربانه ، وكان المراد بحب الدنيا أولا حب المال أو حب البقاء في الدنيا ، وكراهة الموت ، وبه ثانيا حب كل
__________________
(١) سورة البقرة : ٣٥.