من لا يصلحه إلا الغنى ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك وما يتقرب إلي عبد من عبادي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى
______________________________________________________
« لو صرفته إلى غير ذلك لهلك » فصل هذه الجملة الشرطية عن جملة الصلة لأنها كاشفة ومبينة لها إذ كون هلاك دينه في الفقر مما يبين كون صلاحه في الغنى ، فبينهما كمال الاتصال ، وما مر في حديث آخر شبيه بهذا الخبر من عطف مثل هذه الشرطية على الصلة بالواو ، حيث قال : وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ذلك ، فلملاحظة كون حصول الإفساد أمرا مغايرا لعدم الإصلاح وغير مندرج في جنسه ، وقد صرح علماء المعاني بأن الجملتين اللتين بينهما كمال الاتصال الموجب للفصل ربما يلاحظ بينهما الانقطاع بوجه من الوجوه ، فتعطف إحداهما على الأخرى لتوسطهما حينئذ بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع.
ألا ترى إلى ما قالوه في قوله تعالى في سورة البقرة : « يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ » (١) وفي سورة إبراهيم « وَيُذَبِّحُونَ » (٢) بالواو من أن طرح الواو في الآية الأولى يجعل تذبيح الأبناء بيانا ليسومونكم وتفسيرا للعذاب ، وإثباتها في الآية الثانية لملاحظة كون التذبيح فوق العذاب المتعارف وزائدا عليه ، فكأنه جنس آخر غير مندرج فيه.
« وأنه ليتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه » النوافل جميع الأفعال الغير الواجبة وأما تخصيصها بالصلوات المندوبة فعرف طار ، ومعنى محبة الله سبحانه للعبد هو كشف الحجاب عن قلبه وتمكينه من أن يطأ على بساط قربه فإن ما يوصف به سبحانه إنما يؤخذ باعتبار الغايات لا باعتبار المبادئ ، وعلامة حبه سبحانه للعبد
__________________
(١) الآية : ٤٩.
(٢) الآية : ٦.