.................................................................................................
______________________________________________________
بعده أو معه.
وأقول : على هذا يرجع الحمل إلى المبالغة في السببية أو الغائية ، ويؤيده ما ورد في رواية أخرى فبي يسمع وبي يبصر وبي يمشي وبي ينطق.
الرابع : أنه لكثرة تخلقه بأخلاق ربه ووفور حبه لجناب قدسه تخلى عن محبته وإرادته ، فلا يسمع إلا ما يحبه تعالى ، ولا ينظر إلا إلى ما يحبه تعالى ، ولا يبطش إلا إلى ما يوصل إلى قربه سبحانه ، وقريب منه ما قيل : لا يسمع إلا بحق وإلى حق ولا ينظر إلا بحق وإلى حق ، ولا يبطش إلا بإذن الحق ولا يمشي إلا إلى ما يرضى به الحق وهو المحق الولي والمؤمن حقا الذي انزاح عنه كل باطل وصار واقفا مع الحق ، وهو قريب من الوجه الثالث.
الخامس : ما ظهر لي في بعض المقامات وهو أظهر عندي من سائر الوجوه ، وتفصيله يحتاج إلى بسط وسيع في الكلام لا يسعه هذا المقام ، ومحصله أنه سبحانه أودع في بدن الإنسان وقلبه وروحه قوي ضعيفة هي في معرض الانحلال والاختلال والانقضاء والفناء ، فإذا اكتفي بها وصرفها في شهوات النفس والهوى تفنى كلها ، ولا يبقى معه شيء منها ومن ثمراتها إلا الحسرة والندامة ، وإذا استعملها في طاعة ربه وصرفها في طاعة محبوبة أبدله الله خيرا منها ، وأقوى وأبقى تكون معه في الدنيا والعقبى ، لقوله تعالى : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » (١) فمنها قوة السمع إذا بذلها في طاعة النفس والشيطان ، وما يلهى عن الرحمن ، بطل سمعهم الروحاني وهذا السمع الجسماني في معرض الفناء ولذا قال سبحانه فيهم : « أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » (٢).
فهم صم بكم عمي في الدنيا والآخرة ، فمثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٧.
(٢) سورة الفرقان : ٤٤.