.................................................................................................
______________________________________________________
إلا دعاء ونداءا فهم في الدنيا أيضا كذلك ، فإذا بطل بالموت حسهم لم يبق لهم إلا الضلال والوبال ، وإذا صرفها في طاعة ربه أبدله الله سمعا كاملا روحانيا لا يذهب بالصمم ولا بالموت ، فهو يسمع كلام الملائكة ويصغي إلى خطاب الرب تعالى في الآخرة والأولى ، ويفهم كلام الله وكلام الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ، فما منحه الله تعالى سمع قلبي روحاني لا يضعف بضعف البدن ولا يذهب بالموت ، وبه يسمع في القبر الخطاب ويعد الجواب ، ويناديهم الحبيب كما نادى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أهل القليب.
وكذا أودع الله سبحانه حسا ضعيفا في البصر فإذا صرفه في مشتهيات نفسه ذهب الله بنوره وأعمى عين قلبه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ، وإذا بذله في طاعة ربه نور الله عين قلبه وأعطى بصره نورا أعلى وأقوى فيه ينظر إلى الملكوت الأعلى ويتوسم في وجوه الخلق ما لا يعرف غيره ، ويرى الملائكة الروحانيين كما قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، وقال تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (١).
وكذا قوة البطش البدنية إذا صرفها في طاعة الله وقربه ونهكها بالرياضات الحقة أعطاه الله قوة روحانية لا تضعف بالأمراض ، ولا تذهب بالموت فيها يقدر على التصرف في عالم الملك والملكوت ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية.
وكذا النطق إذا صدق فيه وكان موافقا لعمله ومصادفا لرضا ربه فتح الله به ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه فظهر معنى قوله سبحانه : كنت سمعه وبصره ، وغير ذلك على ألطف الوجوه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
السادس : ما هو أرفع وأوقع وأحلى وأدق وألطف وأخفى مما مضى ، وهو أن العارف لما تخلى من شهواته وإرادته وتجلى محبة الحق على عقله وروحه ومسامعه
__________________
(١) سورة الحجر : ٧٥.