______________________________________________________
فظهر أن مفاد كلامه أن التدبير ليس عتقا منجزا لا يمكن التصرف في المدبر ، قبل حلول الأجل الذي هو الموت ، بل هو عدة أي معلق على شرط وليس بشيء واجب أي لازم منجز يترتب عليه حكمه عند إيقاعه ، بل يتوقف على حصول شرطه فلا دلالة له على عدم وجوب الوفاء بالوعد ، بل دلالته على الوجوب أقرب ، وبقي في زوايا المقام خبايا أحلناها على فهم المتأمل.
وقد يستدل على عدم الجواز بأنه كذب وهو قبيح وحرام ، وعندي فيه نظر لا لما قيل أن الكذب لا يكون إلا في الماضي أو الحال ولا يكون في المستقبل ، فإنه سخيف فإن المنكر للمعاد لا ريب أنه كاذب ، والمنجم إذا أخبر بوقوع أمر في المستقبل ولم يقع يقال : أنه كاذب ، ويصدق عليه تعريف الكذب ، بل لأن الوعد ليس من هذا القبيل بل هو معاملة تجري بين المتواعدين ، فإن المولى إذا قال لعبده إذا فعلت الفعل الفلاني أعطيتك درهما وإذا فعلت الفعل الفلاني ضربتك سوطا ليس المراد به الإخبار من وقوع أحد الأمرين بل هو إلزام أمر عليه أو على نفسه ، وإن علم أنه لا يوقعه كالبيع والشراء والبيعة ، فإنها إنشاء أمر يوجب عليه متابعة من بايعه لا محض الإخبار عن ذلك ، فإنا نجد الفرق بين أن يعد زيد عمروا أن يعطيه درهما أو بأن يخبر بأن سيعطيه درهما لكن ليس من إنشاء إلا ويلزمه خبر يجري فيه الصدق والكذب ، فما ورد من نسبة الصدق إلى الوعد من هذا القبيل ، كقوله تعالى : « إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ » (١) فإذا خالف الوعد فليس هذا من الكذب المصطلح في شيء ، نعم إذا وعده وكان عازما على عدم الوفاء كان كذبه في لازم الإنشاء ، فإن الوعد يدل ضمنا على أنه عازم على عدم الوفاء كان كذبه في لازم الإنشاء ، فإن الوعد يدل ضمنا على أن عازم على الوفاء ، كما أن أضرب يدل على أنه يريد إيقاع الضرب وليس مدلول الوعد الإخبار عن أنه عازم على أن يفعل ذلك ، وحرمة هذا الكذب الضمني في محل المنع ، وكذا شمول الآيات والأخبار الدالة على حرمة الكذب له ممنوع.
__________________
(١) سورة مريم : ٥٣.