______________________________________________________
ولو سلم فلا يدل على حرمة الخلف مطلقا قال الراغب : الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا ، وعدا كان أو غيره ، ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول ، ولا يكون من القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ، ولذلك قال : « وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً » (١) « وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً » (٢) « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ » (٣) وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام الاستفهام والأمر والدعاء وذلك ، نحو قول القائل : أزيد في الدار؟ فإن في ضمنه أخبارا بكونه جاهلا بحال زيد ، وكذا إذا قال. واسني ، في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة ، وإذا قال : لا تؤذني ففي ضمنه أنه يؤذيه ، وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد ، نحو صدق ظني وكذب ، ويستعملان في أعمال الجوارح فيقال : صدق في القتال إذا وفي حقه ، وفعل على ما يجب وكما يجب ، وكذب في القتال إذا كان على خلاف ذلك ، قال الله تعالى : « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » (٤) أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم ، انتهى.
فقد تبين أن للصدق والكذب معاني غير المعنى المصطلح ، فنسبة الصدق والكذب إلى الوعد محمول على بعض تلك المعاني المجازية ، فظهر أن حسن الوفاء بالوعد أو وجوبه ليس من جهة أن مخالفته تستلزم الكذب حتى يقال : أن ذلك يجري في الوعيد أيضا ، ويجاب بأن الكذب في المصلحة حسن ، بل من جهة أن العقل يحكم بحسن الوفاء بالعهد أو بقبح خلفه ، ويحكم في الوعيد بخلاف ذلك ، وكذلك
__________________
(١) سورة النساء : ١٢٢ ، ٧٨.
(٢) سورة النساء : ١٢٢ ، ٧٨.
(٣) سورة مريم : ٥٤.
(٤) سورة الأحزاب : ٢٣.