وفي قريب من عصرنا لما ولع الناس بمطالعة كتب المتفلسفين ، ورغبوا عن الخوض في الكتاب والسنة وأخبار أئمة الدين ، وصار بعد العهد عن أعصارهم عليهمالسلام سببا لهجر آثارهم ، وطمس أنوارهم ، واختلطت الحقائق الشرعية بالمصطلحات الفلسفية صارت هذه المسألة معترك الآراء ومصطدم الاهواء ، فمال كثير من المتسمين بالعلم المنتحلين للدين ، إلى شبهات المضلين ، وروجوها بين المسلمين فضلوا وأضلوا ، وطعنوا على أتباع الشريعة حتى ملموا وقلوا ، حتى أن بعض المعاصرين (١) منهم يمضغون بألسنتهم ، ويسودون الاوراق بأقلامهم أن ليس في الحدوث إلا خبر واحد هو « كان الله ولم يكن معه شئ » ثم يؤولونه بما يوافق آراءهم الفاسدة ، فلذا أوردت في هذا الباب أكثر الآيات والاخبار المزيحة للشك والارتياب ، وقفيتها بمقاصد أنيقة ، ومباحث دقيقة ، تأتي بنيان شبههم من قواعدها وتهزم جنود شكوكهم من مراصدها ، تشييدا لقواعد الدين ، وتجنبا من مساخط رب العالمين ، كما روي عن سيد المرسلين صلىاللهعليهوآله : إذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه ، وإلا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
(المقصد الاول)
* (في بيان معانى الحدوث والقدم) *
المشهور أن للحدوث معنيين : الذاتي ، والزماني. والمستفاد من كلام الشيخ أن معنى الحدوث هو المسبوقية بالعدم إما بالذات لا بالزمان وهو الحدوث الذاتي ، وإما بالزمان وهو الحدوث الزماني. وهو المتبادر (٢) من لفظ الحدوث
____________________
(١) في المخطوطة : القاصرين.
(٢) كأن الجملة الاخيرة اعنى قوله « وهو المتبادر .. » من كلام المؤلف رحمه الله لانالم نجدها في شئ من كلمات الشيخ في الشفاء والاشارات والنجاة والتعليقات ، على انها غير مشابهة لكلامه كما يعرفه العريف بلحن قوله. ولعله استفاده ذلك من كلامه في الشفاء حيث قال « ص : ٥٢٦ » : فان اطلق اسم الحدث على كل ماله ايس بعد ليس كان كل معلول