لها ، كما يقول القائل : أليس قد أعطيتك وفعلت بك كذا وكذا وبعد ذلك خلطتك؟ وربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ متأخرا بحسب الزمان لانه لم يكن الغرض الاخبار عن الاوقات والازمنة بل المراد ذكر النعم والتنبية عليها وربما اقتضت الحال إبراد الكلام على هذا الوجه.
والثالث : ما ذكره الرازي ، وهو أن لا يكون معنى « دحيها » مجرد البسط ، بل يكون المراد أنه بسطها بسطا هيئات لنبات الاقوات ، وهذا هو الذي بينه بقوله « أخرج منها ماءها ومرعيها » وذلك لان (١) الاستعداد لا يحصل للارض إلا بعد وجود السماء ، فإن الارض كالام والسماء كالاب ، ومالم يحصلا لم يتولد أولاد المعادن والنبات والحيوان.
والرابع : ماذكره أيضا وهو أن يكون قوله « والارض بعد ذلك » أي مع ذلك ، كقوله « عتل بعد ذلك زنيم » أي مع ذلك ، وكقولك للرجل : أنت كذا وكذا ، ثم أنت بعدها كذا. لا تريد (٢) الترتيب ، وقال تعالى « فك رقبة » إلى قوله « ثم كان من الذين آمنوا » والمعنى : وكان وهذا تقرير ما نقل عن ابن عباس وغيره قالوا في قوله « والارض بعد ذلك دحيها » : أي مع مياده دحيها (٣).
اقول : وهذا قريب من الثاني. ثم المشهور أن خلق الارض قبل خلق السماء وهو الاظهر ، وقيل بالعكس ، نقل الواحدي في البسيط عن مقاتل أنه قال : خلق الله السماء قبل الارض ، وتاويل قوله « ثم استوى إلى السماء » : ثم كان قد استوى وهي دخان قبل أن يخلق الارض. فاضمر فيه كان كما قال تعالى : « قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل » معناه : إن يكن سرق.
وقال الرازى : المختار عندي أن يقال : خلق السماء مقدم على خلق الارض
____________________
(١) في المصدر : لان هذا الاستعداد.
(٢) في المصدر : لا تريد به الترتيب.
(٣) مفاتيح الغيب ، ج ٨ ، ص ٤٦٥ « نقل عنه ملخصا ».