حتى لو لم يعتبرها العقل لم يتحقق في نفس الامر أصلا ، وذلك إنما يكون إذا كان الموصوف أو الاتصاف والنسبة والاضافة اعتباريا محضا يتوقف تحققه على اعتبار العقل وفرضه ، ومنه العدد إذا كان معروضه غير موجود (١) ، فإن العدد عرض لا يتحقق إلا بتحقق معروضه وهو المعدود ، ومنه وجود الوجود ولزوم اللزوم وهكذا لان الموصوف والمنتزع عنه فيهما لا يتحقق إلا بعد الانتزاع وتوجه العقل إليه قصدا وبالذات ، فإن الموصوف لا يتحقق إلا بهذا ، ومنه النسب الاعتبارية المحضة والانطباقات الحاصلة بين آحاد السلسلتين إذا كانت باعتبار هذه الوجوه كانت اعتبارية محضة تنقطع بانقطاع الاعتبار ومن الاتصافات والنسب ما ليست كذلك ولا يتوقف على اعتبار وفرض ، بل هي متحققة في الواقع بدون فرض فارض ، مثل لوازم الماهية والاتصافات الخارجية والنفس الامرية ، فإنانجزم بديهة أن العدد موصوف بالزوجية أو الفردية ، والسماء موصوفة بالفوقية بالنسبة إلى الارض ، والاب بالابوة ، والابن بالنبوة وإن لم يفرض العقل ، بل انتزاع العقل تابع لما هو متحقق في الواقع وإلاصح انتزاع كل أمر من كل شئ ، والمنبهات عليه كثيرة لا تخفى. فظهر أن انتزاع العقل وصحة حكمه تابع وفرع للواقع ، وليس لفرض العقل مدخل في صحة هذه الامور وتحققها ، وهذا القدر كاف في دفع الاعتراضات الواردة على البراهين الآتية. ولنشرع في إيراد البراهين على وجه الاختصار وإن كانت مذكورة في كتب القوم.
الاول : برهان التطبيق (٢) ، وهو ام البراهين وله تقريرات :
الاول : لو تسلسلت امور مترتبة إلى غير النهاية بأي وجه من وجوه الترتيب
____________________
(١) يعنى به مفهوم العدد ، والافحقيقته كم منفصل موجود في الخارج مع قطع النظر عن اعتبار العقل.
(٢) قال السيد الداماد في القبسات « ص : ١٥٦ » : فأما السبيل التطبيقى فلاثقة بجدواه ولا تعويل على برهانيته ، بل إن فيه تدليسا مغالطيا .. الخ وحيث ان البحث خارج عن مقصد الكتاب ، وانما اورد طردا للباب ، فالصفح عن النقض والابرام أقرب إلى الصواب ، ومن اراد الاستيفاء فعليه بكتاب الاسفار.