موجود ممكن حتى يلزم القدم أيضا بل هو منتزع من بقائه تعالى ، فكما أنهم يصححون ربط الحادث بالقديم بالحركة والزمان كذلك نصححه أيضا بالزمان وكون الزمان مقدار حركة الفلك ممنوع ، بل نعلم بديهة أنه إذا لم يتحرك الفلك مثلا يتوهم هذا الامتداد المسمى بالزمان ، والقول بأنه لعله من بديهة الوهم لا يصغى إليه (١).
ثم إن الزمان وإن كان وهميا فمعلوم أنه ليس وهميا اختراعيا بل وهميا نفس أمري ، ومثل الوهمي يصح أن يكون منشأ للامور الموجوده في الخارج لابأن يكون فاعلا لهابل دخيلا فيها مع أن محققي الفلاسفة وافقونا على كون الزمان الممتد المتصل أمرا انتزاعيا مرتسما في الخيال وخالفونا فيما هو منشأ لانتزاعه فقالوا بوجود أمر قديم سرمدي في الخارج لاامتداد له ولا تقدر ، واعتقدوا أن له جهتي استمرار وتنقل كالحركة التوسطية وسموه بالآن السيال ، وزعموا أن ذلك الامر يفعل باستمراره وسيلانه في الخيال أمرا ممتدا متصلا غير قار الاجزاء في الوجود
____________________
(١) الامور التى لها حظ من الوحود ونحو تحقق في الخارج سواء فرض هناك مدك أم لا هى الامور الحقيقية كالماء والهواء والارض وغيرها ، ولا فرق فيها بين ما يدرك بالحواس كالمبصرات والمسموعات ومالا يدرك كذات البارئ تبارك وتعالى ، وتنقسم إلى الواجب و الممكن ، والممكن إلى الجوهر والاعراض التسعة ومنها الكم وهو منفصل ومتصل والمتصل قار وغير قاروالكم المتصل غير القار هو الزمان. اذ عرفت هذا فاعلم ان قوله « نعلم بديهة انه اذا لم يتحرك الفلك مثلا اصلا يتوهم هذا الامتداد المسمى بالزمان. » ان اراد به انه يمكن وجود الزمان مع عدم وجود جسم اعم من الفلك وغيره فممنوع ودعوى البداهة كماترى. كيف والزمان كما عرفت عرض لايقوم الا بجوهر ، وذات البارئ سبحانه اعلى وارفع واجل وامنع من ان يصير موضوعا لعرض او محلا لحال ، أو يدركه عقل او يناله وهم! ومن هنا تعرف ما في القول بانتزاع الزمان من ذاته تعالى وتقدس ، وان اراد به عدم انحصار راسم الزمان في حركة الفلك الوضعية فله وجه لكنه لا يلائم الالتزام بانتزاعه من بقائه تعالى. وان اراد انه لا يتمكن الوهم من ادراك موجود خارج عن ظرف الزمان فيتوهم امتدادا يسمى بالزمان فانا لاننكر عجز الوهم عن ذلك ، لكن التوهم غير إدراك الواقع فالوهم لا يدرك ما هو خارج عن ظرف المكان أيضا فهل يمكن القول بعدم تحقق موجود خارج عن ظرف المكان؟!