الحال كما تقول به الفلاسفة من تعاقب الاستعدادات الغير المتناهية حتى ينتهي إلى الاستعداد القريب الذي يلي المعلول. فقد قيل عليه أنه باطل مع قطع النظر عن جريان التطبيق فيه ، لانه يلزم انحصار الامور الغير المتناهية بين حاصرين ، وهما نفس الارادة وتعلقها الذي يلي الممكن.
اقول : وأنت تعلم أنه لا انحصار هنا بين حاصرين أصلا ، بل ذات الارادة محفوظة في جميع المراتب وتتوارد عليها تعلقات مترتبة غير متناهية على نحو تعاقب الاستعدادات الغير المتناهية على المادة ، فليست الارادة ولا المريد طرف السلسلة كما ليست المادة طرف السلسلة ، فالقول بالانحصار هنا وهم ظاهر الفساد ، وإن ظهر بعض من يعقد عليه الانامل بالاعتقاد « انتهى ».
واورد عليه إيرادات لاطائل في إيرادها وهي مع أجوبتها مذكورة في كتب القوم.
الطريق السادس : ما ذكره المحقق الطوسي ره في التجريد ، وهو أن التخلف عن العلة التامة إنما يستحيل إذا أمكن وجود ظرفين يمكن تحقق المعلول في كل منهما ، ومع ذلك خص وجود المعلول بالاخير منهما من غير تفاوت في أجزاء العلة وشرائط إيجابها بالنسبة إلى الوقتين ، وههنا ليس كذلك ، إذالوقت من جمله أجزاء العالم ، فلا وقت قبل حدوث العالم حتى يسأل عن حدود ذلك الوقت وأنه لم لم يقع المعلول في تلك الحدود ووقع فيما وقع فيه ، ولما كان هذا الوجه بعد التحقيق يرجع مآله إلى ما حررنا في الطريق الثاني لم نتعرض لبسط القول فيه.
المرصد الثانى : دفع شبهة اخرى لهم ، وهي أن العالم ممكن ، وإمكان وجوده أزلي. إذ لو كان ممتنعا في الازل وصار ممكنا لزم الانقلاب المحال ، وإذا أمكن وجوده في الازل والبارئ تعالى قادر كامل في تأثيره جواد فحض لا يفيد إلا ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض فما أوجد العالم إلا لجوده الذي هو مقتضى ذاته ، فوجب أن يوجد العالم أزلا.