وخلقه استوى على ملكه فمدح كما ينبغي له أن يحمد ، ثم قدر ملكه فجعل في كل سماء شهبا معلقة (١) كواكب كتعليق القناديل من المساجد لا يحصيها (٢) غيره تبارك وتعالى ، والنجم من نجوم السماء كأكبر مدينة في الارض ، ثم خلق الشمس والقمر فجعلهما شمسين ، فلو تركهما تبارك وتعالى كما كان ابتدأهما في أول مرة لم يعرف خلقة الليل من النهار ، ولا عرف الشهر ولا السنة ، ولا عرف الشتاء من الصيف ، ولا عرف الربيع من الخريف ، ولا علم أصحاب الدين متى يحل دينهم ولا علم العامل متى يتصرف (٣) في معيشته ومتى يسكن لراحة بدنه ، فكان الله تبارك وتعالى لرأفته بعباده نظر (٤) لهم فبعث جبرئيل عليهالسلام إلى إحدى الشمسين فمسح بها جناحه فأذهب منها الشعاع والنور وترك فيها الضوء ، فذلك قوله « وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل فجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلمواعدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا » وجعلهما يجريان في الفلك ، والفلك بحر (٥) فيما بين السماء والارض مستطيل في السماء ، استطالته ثلاثة فراسخ يجري في غمرة الشمس والقمر ، كل واحد منهما على عجلة يقودهما (٦) ثلاثمائة ملك بيد كل ملك منها عروة يجرونها في غمرة ذلك البحر ، لهم زجل بالتهليل والتسبيح والتقديس ، لوبرز واحد منهما من غمر ذلك البحر لاحترق كل شئ على وجه الارض حتى الجبال والصخور ما خلق الله من شئ ، فلما خلق الله السماوات والارض والليل والنهار والنجوم والفلك وجعل الارضين على ظهر حوت (٧) أثقلها فاضطربت فأثبتها بالجبال ، فلما استكمل خلق ما في السماوات
____________________
(١) في بعض النسخ : معلقة الكواكب.
(٢) ما لا يحصيها ( خ ).
(٣) في المصدر : ينصرف.
(٤) في المصدر : أراف بعباده وأنظر.
(٥) في المخطوط : يجرى.
(٦) في المصدر : يقوده.
(٧) في المصدر : الحوت.