والكلال « والنهار مبصرا » أي مضيئا تبصرون فيه ، ونسبة الابصار إليه على المجاز « لقوم يسمعون » أي الحجج سماع تدبر وتعقل. « وسخر الشمس والقمر » قال الرازي : هذا الكلام اشتمل على نوعين من الدلالة : الاول الاستدلال على وجود الصانع القادر بحركات هذه الاجرام ، وذلك لان الاجسام متماثلة فاختصاصها بالحركة الدائمة دون السكون لابد له من مخصص ، وأيضا إن كل واحدمن تلك الحركات مختصة بكيفية معينة من البطء والسرعة فلا بد أيضا من مخصص وأيضا تقدير تلك الحركات بمقادير مخصوصة على وجه تحصل عوداتها ودوراتها متساوية بحسب المدة حالة عجيبة فلابد فيه من مقدر ، وبعض تلك الحركات مشرقية وبعضها مغربية وبعضها مائلة إلى الشمال وبعضها إلى الجنوب وهذا أيضا لايتم إلا بتدبير كامل وحكمة بالغة. والنوع الثاني قوله « كل يجري لاجل مسمى » وفيه قولان الاول قال ابن عباس : للشمس مائة وثمانون منزلا كل يوم لهامنزل وذلك (١) في ستة أشهر ، ثم إنها تعود مرة اخرى إلى واحد واحد منها في ستة أشهر مرة (٢) اخرى ، وكذلك القمر له ثمانية وعشرون منزلا فالمراد بقوله « كل يجري لاجل مسمى » هذا. والثانى كونهما متحركين إلى يوم القيامة وعنده تنقطع تلك الحركات.
وقال في قوله تعالى « دائبين » : معنى الدؤوب في اللغة مرور الشئ في العمل على عادة مطردة. قال المفسرون : معناه يدأبان في سيرهما وإنارتهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان ، فإن الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ولو لا الشمس لما حصلت الفصول الاربعة ، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية (٤). وقال في قوله « وجعلنا الليل والنهار آيتين » : فيه قولان
____________________
(١) في المصدر : وذلك يتم في ستة اشهر.
(٢) في المصدر : اشهر اخرى.
(٣) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٢٦١ ملخصا.
(٤) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٣٥٥.