حاكم في بلد ومفت بما يستحسن » ـ غير وارد ، إذ انّ الضوابط العقلية والعقلائية وكذلك الشرعية مطردة والاختلاف انما هو في موارد تطبيقها وهذا حاصل حتى في الكتاب والسنة وكذلك القياس ، وهذا ما يعبّر عن انّ الشافعي لا يقصد بالاستحسان المصالح المرسلة.
وبما ذكرناه يتضح عدم إرادته للحسن والقبح العقليين أو العقلائيين ، وكذلك يتّضح عدم إرادته من الاستحسان ما يعبّر عنه بحجية العرف.
وبسقوط تمام المحتملات يتعيّن كون المراد من معنى الاستحسان هو ما ذكرناه ، إذ هو الذي يرد عليه إشكال الشافعي ، فالذوق وما يلائم الطبع وكذلك الاشمئزاز والاستقذار والاستبشاع كلها حالات نفسانية تخضع لعوامل تربوية أو اجتماعية أو ثقافية ، وهي تختلف من بلد لآخر ومن بيئة لاخرى ، بل قد يتفاوت المجتمع الواحد في ذلك فتجد انّ طبقة معينة أو شريحة خاصة تنفر من بعض الأطعمة وتستقذرها والحال انّ نفس هذه الأطعمة تستهوي طبقة اخرى من المجتمع أولا أقل لا تكون مستقذرة عندهم ، كما نلاحظ ان بعض المجتمعات تمارس بعض الأعمال وترى انها ملائمة للذوق والتحضّر ، ونجد مجتمعات اخرى تستبشع هذه الأعمال وترى انها من التخلّف والتسافل الى مستوى الحيوان ، وما ذلك إلاّ لاختلاف التربية والثقافة.
ثم انّ المجتمع الواحد قد يمرّ بأطوار وظروف تتغيّر معها طبائعه ومذاقاته. وبهذا اتضح انّ ما يفهمه الشافعي من معنى الاستحسان هو ما ذكرناه.
ويمكن تأكيد هذا الفهم ببعض التعريفات المذكورة للاستحسان فقد نقل صاحب محاضرات في اسباب اختلاف الفقهاء عن المبسوط ـ كما ذكر ذلك السيد الحكيم ـ انّ الاستحسان