ذلك بالبداء انّما هو مجرّد اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح. ومنشأ الاصطلاح عليه بالبداء هو علاقة المشاكلة ، والتي تعني ـ كما ذكر علماء البديع ـ « ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا ».
كما في قوله تعالى : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) (١) ، فإنّ نسبة المكر الى الله تعالى ليس بمعنى المكر المنسوب الى الكفار والذي يستبطن معنى الخديعة ، إذ هو تعالى منزّه عنها ، فالمكر المنسوب الى الله تعالى يعني الغلبة والقهر ، وانّما جيء بلفظ المكر لغرض المشاكلة بمعنى انّه استعاض عن لفظ الغلبة والقهر أو ما يراد فهما بلفظ المكر لمناسبته ومشاكلته للفظ المكر المستعمل ـ في صدر الآية الشريفة ـ في معناه الحقيقي.
هذا فيما تكون فيه المشاكلة تحقيقية ، وقد تكون تقديرية كما في قوله تعالى : ( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (٢) ، فإنّ تمييز الخبيث من الطيب منوط بالامتحان ، وهذا يعني الجهل بالواقع قبل الامتحان ، وهو مستحيل على الله تعالى ، إلاّ انّ استعمال لفظ التمييز هنا للمشاكلة التقديرية حيث لم يذكر لفظ التمييز بمعناه الحقيقي في نفس الكلام إلاّ انّه مقدّر بمعنى انّ المولى أراد تقريب المعنى المراد عنده تعالى بالمعنى المألوف للتمييز وهو المعنى المناسب للإنسان.
واستعمال لفظ البداء في الإبداء من قبيل المشاكلة التقديرية ، والتي هي مجرّد استبدال لفظ بلفظ دون ان يكتسب المعنى الذي استعمل اللفظ فيه مجازا ما يعبّر عنه المعنى الحقيقي للفظ ، غايته انّ هذا اللفظ لمّا كان مألوفا أكثر ومعناه الحقيقي أقرب للفهم اتّخذ هذا اللفظ معبرا وطريقا لإفهام المعنى الآخر الادق والذي هو الإبداء.