وكيف كان فأصالة براءة الذمة عن كل تكليف الزامي محتمل لم تكن موضع خلاف على امتداد تاريخ الفقه الامامي وان كان تبلور هذا الاصل لم يكن بالصورة التي هي عليه فعلا ، نعم فصل الاخباريون في ذلك فقبلوا بالبراءة الاصلية في موارد الشبهات الوجوبية وبنوا على جريان أصالة الاحتياط الشرعي في الشبهات الحكمية التحريمية.
والمتحصل انّ البراءة الأصلية هي عبارة عن أصالة نفي الحكم الإلزامي المحتمل ما لم يقم دليل على إثباته فهي إذن من الاصول النافية للتكليف والمؤمنة عن العقاب لو اتفق ثبوته واقعا ولا شأن لها بإثبات حكم ظاهري.
وقد استعرضنا تاريخ هذا الاصل بشيء من التفصيل تحت عنوان « البراءة العقلية » ، كما أوضحنا المراد من قاعدة قبح التكليف بما لا يطاق تحت عنوان « استصحاب حال العقل ».
* * *
١٧١ ـ البراءة الشرعيّة
وهي البراءة المستفادة بواسطة الأدلة الشرعية وهي الكتاب والسنة وكذلك الاستصحاب ، فإنّ كبرى حجية الاستصحاب مستفادة عن الشارع ، ولذلك صحّ ان يعد الاستصحاب من الأدلة الشرعية على حجيّة البراءة.
أمّا الكتاب المجيد فقد استدل به على البراءة بمثل قوله تعالى ( ما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (١٨) وكذلك قوله تعالى ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١٩).
وأما السنة الشريفة فقد استدلّ لها بروايات كثيرة ، منها حديث الرفع وحديث السعة وروايات الحل.