ومن هنا جاء الجعل التشريعي على أساس صوابية هذا البناء العقلائي ، وهذا ما استفدناه بواسطة الامضاء ، فالامضاء وقع على ما هو البناء العقلائي من الغاء احتمال الخلاف فيما تكشف عنه الامارة.
* * *
١٨٦ ـ التجرّي
التجرّي هو العمل على خلاف ما قامت الحجة على تنجّزه ، على ان يكون المتنجّز بالحجة غير مطابق للواقع وإلاّ فلو طابق الواقع لكان معصية ، فالفرق بين المعصية والتجرّي انّما هو من حيث مطابقة المتنجّز بالحجة للواقع وعدم مطابقته ، ففي ظرف المطابقة يكون الفعل المنافي لما عليه الحجة معصية وفي ظرف عدم المطابقة للواقع يكون الفعل المنافي للحجة تجرّيا.
وبهذا اتضح انّ التجرّي لا يختص بمورد مخالفة ما يقتضيه القطع ، فهو وان كان أجلى مصاديق التجرّي إلاّ انّ التجرّي لا يختص به بل يشمل مخالفة كل حكم قام الدليل على تنجّزه على المكلف ، ومن هنا لو خالف المكلّف ما تقتضيه الامارة المعتبرة أو ما يقتضيه الاستصحاب مثلا أو الاشتغال أو أجرى البراءة عن الحكم الإلزامي قبل الفحص فإنّه حينئذ يكون متجريا لو اتفق عدم مطابقة هذه الحجج للواقع.
ثم انّ هنا أمرا لا بدّ من التنبيه عليه ليتحرّر معنى التجرّي أكثر ، وهو انّ القطع أو الظن المعتبر انما يكونان قواما لتحقق التجرّي لو انكشف الخلاف انما يكونان كذلك لو لوحظا على انّهما طريقان لإحراز الواقع ، بمعنى انّ القطع مثلا لم يكن سوى كاشف عن الواقع وهكذا الظن ، أما لو كان القطع ـ أو الظن ـ موضوعيا بمعنى أخذه موضوعا أو جزء موضوع للحكم