الموضوع الأوّل فإنّ ذلك يصحّح تسرية الحكم منه إلى الموضوع الآخر إلاّ أنّ ذلك غير متاح غالبا لاحتمال أنّ لخصوصيّة الموضوع الأوّل دخل في ثبوت الحكم ، وحينئذ تكون تسرية الحكم من الاجتهاد الظنّي الفاقد للاعتبار.
وقد تبيّن ممّا ذكرناه أنّ تحقيق المناط بالمعنى الأول لم يشترط في تصحيح التعدّي القطع بواجديّة الموضوع الآخر لمناط الحكم في الموضوع الأوّل بل إنّه لو كان ثمّة قطع بذلك فإنّه لا نحتاج إلى الاجتهاد في تحقيق المناط ، فهذا الفرض خارج عن تحقيق المناط بالمعنى الأوّل.
وأمّا المعنى الثاني لتحقيق المناط فهو وإن عدّ من أقسام القياس إلاّ أنّ الواقع أنّه ليس منه أو لا ينبغي أن يكون منه لأنّه لا يزيد على تطبيق الموضوع على مصاديقه المحرز أنّها من مصاديقه ، ومع الشكّ في ذلك أي في مصداقية فرد للموضوع الكلّي فإنّ القاعدة الكليّة لا تتكفّل إثبات مصداقيّة ذلك الفرد للقاعدة بل لا بدّ من إحراز ذلك بقطع النظر عن القاعدة ، فلو كان الخطاب الشرعي هو وجوب إكرام العلماء فإنّ هذا الخطاب لا يتكفّل إثبات أنّ زيدا من العلماء وأنّ بكرا ليس منهم.
* * *
١٨٩ ـ تخريج المناط
المراد من عنوان تخريج المناط هو استنباط علّة الحكم من خطاب شرعي لم يتصدّ لبيان العلّة وإنّما يحدسها المجتهد حدسا ويرتّب على ذلك تعدية الحكم لموضوع آخر لاشتماله على العلّة المستنبطة.
ويمثّل لذلك عادة بتحريم الربا في البرّ وهذا الخطاب لم يتصدّ لبيان مناط الحرمة ولكنّ المظنون أنّ المناط هو أنّ البرّ من المكيل لذلك تثبت حرمة الربا لمطلق المكيل.