وهذا النحو من التشريع يتفق حكما مع التشريع القولي المعبّر عنه بالإسناد ، وذلك لما يدركه العقل من قبح التصرّف في سلطنة المولى جلّ وعلا ، إذ من الواضح انّ صيرورة الشيء من الدين من شئون المولى جلّ وعلا وليس لأحد إدخال ما ليس من الدين في الدين ، إذ انّ في ذلك تجاوز عن حدود العبودية وتقمص لرداء الربوبية ، وليس من شيء أشنع من التجاسر على حق المولى جلّ وعلا.
* * *
٢١٨ ـ التصويب الأشعري
وهو التصويب الذي يبني عليه جمع من الاشاعرة ، وحاصله : انّه ليس لله عزّ وجل أحكام واقعية يصيبها المجتهد أو يخطئها بل انّ الاحكام تابعة لما تقتضيه الأدلة والأمارات ، فقيام الأمارة هو السبب في نشوء مصلحة في مؤداها ويترتب عن هذه المصلحة جعل الحكم الشرعي بنحو يتطابق مع مؤدى الأمارة ، ومن هنا يكون كلّ مجتهد مصيبا ، وذلك لأنّه عوّل فيما تبناه على ما أدت اليه الامارة والمفترض انّه ليس ثمة واقع وراء الامارة حتى نحتمل عدم مطابقتها له ، فالأحكام انّما تتخلّق عن الأمارة ، فالمجتهد الذي بنى رأيه على هذه الأمارة يكون رأيه هو الواقع ، والمجتهد الآخر الذي بنى رأيه على أمارة أخرى ـ متصلة بنفس موضوع الامارة الاولى ـ يكون ما بنى عليه هو الواقع وهكذا لو قامت أمارة ثالثة مباينة في مؤداها للأمارتين ، فيمكن ان يكون للواقعة الواحدة حكمان أو ثلاثة أو أكثر ، وتكون تمام هذه الأحكام مصيبة للواقع ، لأن الواقع انّما يتخلّق عن قيام الامارة.
وهذا الرأي مناف للنصوص الشرعيّة الكثيرة الدالة على انّ لله عزّ وجل أحكام واقعية ، وانّ له في كل