الاحتمال الثالث والذي يفترض تساوي المفسدة مع المصلحة في الأهميّة ، وهنا أيضا قد يقال انّ منشأ تقديم دفع المفسدة هو قاعدة الترجيح إلاّ انّه مع ذلك يكون لقاعدة دفع المفسدة دور تنقيح صغرى قاعدة الترجيح ، إذ انّ قاعدة الترجيح لا تقتضي أكثر من الحكم على ترجيح المرجوح بالقبح إلاّ انّها غير متصدّية لتشخيص ما هو المرجوح من الراجح ولذلك يتمّ التعرّف على ذلك بوسائل اخرى ، ومنها هذه القاعدة حيث تقتضي في ظرف التساوي راجحيّة دفع المفسدة على جلب المصلحة وعندها يتنقّح موضوع قاعدة قبح ترجيح المرجوح.
إلاّ انّه مع ذلك لا يمكن القطع بوجود بناء عقلائي على تقديم جانب المفسدة فى فرض التساوي في الأهميّة خصوصا لو افترضنا انّ المراد من الأولويّة هو اللزوم.
وأمّا المقام الثاني : وهو البحث عن كبرى هذه القاعدة وحجيّتها.
فنقول : انّه لا بدّ وان يتمّ البحث عن امضاء هذه القاعدة في حدود الاحتمال الثالث ، إذ لم يتّضح ـ لما تقدّم ـ وجود بناء عقلائي يتّسع للاحتمالات الاخرى.
وأمّا الاحتمال الثالث وهو ترجيح جانب المفسدة في ظرف التساوي في الأهميّة مع جلب المصلحة فإنّ دعوى الإمضاء لهذا المقدار انّما تمّ بواسطة عدم الردع ، وانّ عدم الردع يهدد بامتداد هذا البناء للشئون الشرعية ، فلو لم يكن مرضيا من الشارع ومع ذلك لم يردع عنه لكان ذلك منافيا للحكمة والتحفّظ على الأغراض.
إلاّ انّ هذا التقريب لا يمكن قبوله ، وذلك لعدم امكان امتداد هذا البناء ـ لو كان ـ للشئون الشرعيّة ، إذ انّ امتداده منوط باحراز العقلاء لحجم المصلحة المعتمدة للشارع وكذلك المفسدة وانّهما متساويان في الأهميّة ، وعندئذ يمكن القول بأنّ عدم الردع يساوق الإمضاء وإلاّ لكان نقضا للغرض.