وثانيا : يمكن دعوى ردع الشارع عن هذا البناء العقلائي لو سلّمنا بوجوده ، وذلك يتّضح بملاحظة ما قرّره الشارع من أصول عملية في ظرف الجهل بالحكم الواقعي.
* * *
٣٣١ ـ الدلالة
الدلالة هي انتقال الذهن من معنى الى معنى آخر ويكون منشأ الانتقال الى المعنى الآخر هو المعنى الأوّل ، وقد عرفها المناطقة بقولهم « هو كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر » ، وهذا ما يعبّر عن انّ الدلالة نحو علاقة ذهنيّة ببين الدال والمدلول ، بمعنى انّ ثبوت العلاقة بين الشيئين في نفس الأمر والواقع لا تنتج الدلالة بل لا بدّ من العلم بالعلاقة ، وحينئذ يكون العلم بأحدهما منتجا للعلم بالآخر.
ثمّ انّ الدلالة تارة تكون وضعيّة وتارة لا تكون كذلك ، والدلالة الوضعيّة هي التي تنشأ عن الوضع والتباني على جعل شيء دالا على شيء آخر ، ومن هنا قالوا انّ منشأ الدلالة الوضعيّة هو الاعتبار ، وهي تختلف باختلاف المعتبر ، فتارة يكون المعتبر هم العقلاء وتارة يكون المعتبر نظام من الأنظمة الاجتماعيّة كاعتبار الضوء الأحمر دالا على المنع ، وقد يكون الاعتبار خاصّ بفن من الفنون بأن يتبانى أهل ذلك الفن على دلالة شيء على شيء آخر.
ثمّ انّ الدلالة الوضعيّة تارة تكون لفظيّة وتارة تكون غير لفظيّة ، والاولى تنشأ عن اعتبار الواضع لفظا دالا على معنى ومنها الدلالات الثلاث « المطابقيّة والتضمنيّة والالتزاميّة » ، وأمّا الدلالة الوضعيّة غير اللفظيّة فمن قبيل النصب الموضوعة على الطرق للتعبير عن انّ الطريق سالك أو غير سالك.
وأمّا الدلالة التي لا تكون وضعيّة فهي الدلالة الطبعيّة والدلالة العقليّة ، والدلالة الطبعيّة تنشأ عمّا هو مقتضى الطبع ، وأمّا الدلالة العقليّة فتنشأ عن