وبهذا تمتاز الحجيّة الاصوليّة عن الحجّة في باب الأقيسة ، فهما وان كانا يشتركان من جهة وسطيتهما في الإثبات إلاّ انّ وسطية الحجّة في باب الأقيسة ـ والذي هو الحدّ الأوسط ـ منوطة بثبوت علاقة واقعيّة بن الحدّ الأوسط والحدّ الأكبر ، فإمّا أن يكون الحدّ الأوسط علة للحدّ الأكبر ، وعندها يكون الحدّ الأوسط برهانا لميّا وواسطة في الثبوت بالإضافة الى كونه واسطة في الإثبات ، وأمّا ان يكون معلولا للحدّ الأكبر أو أن يكون كلاهما معلولين لعلّة ثالثة ، وعندها يكون الحدّ الأوسط برهانا إنيّا ومتمحضا في كونه واسطة في الإثبات ، وقد أشرنا لذلك في بحث « الحجيّة » في التعريف الثالث للحجيّة المنطقيّة.
ثمّ انّ الحجّة عند الاصوليين قد تطلق ويراد منها المنجّزيّة والمعذّرية ، والمنجّزية هي المسئوليّة وثبوت العهدة ، والمعذرية هي انتفاء المسئوليّة وصحّة الاعتذار عن منافاة الواقع.
وقد أفاد المحقّق النائيني رحمهالله انّ المنجّزيّة والمعذريّة من اللوازم العقليّة لوصول الواقع ، فهي غير قابلة للجعل ، نعم حينما تجعل الطريقيّة والوسطيّة في الإثبات للدليل يكون محرزا للواقع ، وعندها يتنجّز الواقع عقلا.
* * *
٢٨٣ ـ الحجيّة الذاتيّة
ويقصدون من الحجيّة الذاتيّة الحجيّة الثابتة للدليل دون جعل شرعي ، بمعنى انّ ذات الدليل بنفسه يقتضي ثبوت الحجيّة له ، وذلك في مقابل الدليل الذي تكون دليليته وكاشفيّته منوطة بالجعل الشرعي ، وليس ثمّة دليل ادعي ثبوت الحجيّة الذاتيّة له سوى الدليل القطعي.
وتحرير المراد من حجيّة القطع هو السبيل للتعرّف على انّ الحجيّة الثابتة له هل هي ذاتيّة أو غير ذاتيّة ، فنقول :
انّ حجيّة القطع تارة يراد منها الحجيّة المنطقيّة واخرى يراد منها